بالرغم من كل التحديات، تؤكد "المدرسة العُمانية النموذجية" في صيدا مجدداً أن التعليم حق لا شفقة، وأن المدرسة للجميع. تحت هذا الشعار، نظّمت المدرسة لقاءً تربوياً بمناسبة اليوم الوطني للتلامذة ذوي الصعوبات التعلُّمية، برعاية السيدة بهية الحريري، وبمشاركة نخبة من التربويين والخبراء وممثلي وزارة التربية، ليجددوا التزامهم ببناء مدرسة دامجة تُنصف كل متعلّم وتفتح له أبواب المستقبل.
شارك في اللقاء مديرة الإرشاد والتوجيه في وزارة التربية والتعليم العالي، الدكتورة هيلدا الخوري، ممثلة المدير العام للتربية الأستاذ فادي يرق، إلى جانب مديري مدارس الشبكة المدرسية لصيدا والجوار من القطاعين الرسمي والخاص، ومسؤولي أقسام التربية المختصّة في المدارس المعتمدة للدمج، إضافة إلى عدد من التلامذة ذوي الصعوبات التعلميّة في المدرسة العُمانية وأهاليهم ومعلميهم.
استهل مدير المدرسة العُمانية النموذجية، الأستاذ حذيفة الملاح، اللقاء بكلمة ترحيبية، شدّد فيها على أنّ "هذا اللقاء يرسّخ الحق في التعليم الجيد والدامج لكل الأبناء والبنات، من دون استثناء، ويعزز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع". قال الملاح: "بدأت رحلتنا قبل أعوام، حين كانت كلمة (دمج) لا تزال غريبةً على السمع، وتُقابل بالريبة.
لكننا لم نتردد، بل مضينا بعزيمةٍ لا تلين. تلقّفنا في المدرسة العُمانية هذا المشروع كما تتلقّى الأرض العطشى أولى قطرات المطر. ومنذ العام 2018، أقمنا العشرات من حلقات التوعية للأهل والتلامذة وفريق العمل، ونفّذنا برامج تدريبية مكّنت معلمينا من أداء دورهم بكفاءة. شاركنا في ورش عمل وحلقات نقاش، حتى أصبحت قضية التلامذة ذوي الاحتياجات الخاصة قضيةً وطنيةً يتردد صداها في كل لبنان، وتثمر اليوم أكثر من مئة مدرسة دامجة في الدوامين".
وتوقف الملاح عند الخطة الوطنية للتربية الدامجة التي أطلقتها وزارة التربية في حزيران 2023، بتمويل من الاتحاد الأوروبي، وبالتعاون مع المركز التربوي للبحوث والإنماء، وبشراكة مع اليونيسف. ورأى أن "هذه الخطة شكّلت نقطة تحوّل ومحطة تشريعية نحو ضمان حق كل طفل في لبنان في التعليم النوعي والتربية الدامجة".
أضاف: "شرفتُ بالمشاركة في مناقشة وصياغة هذه السياسة، التي بدأت كحلمٍ، وتحولت إلى حقيقةٍ بعد مسيرة مضنية، كان يُصبرنا عليها نُبل الهدف الإنساني، وخصوصًا عندما نرى أطفالًا مهمشين -لا لذنب سوى اختلافهم- يتغلبون على الصعوبات، ويشعرون اليوم أنهم متساوون، لهم مكانهم في المدرسة الرسمية، في قلب الصف، في قلب الوطن".
هيلدا الخوري
من جهتها، عبّرت ممثلة المدير العام للتربية، الدكتورة هيلدا الخوري، عن سعادتها بالمشاركة في اللقاء، قائلةً: "من اللحظات العزيزة على قلبي أن أكون اليوم في المدرسة العُمانية لنحتفل سويًا باليوم الوطني للتلامذة ذوي الصعوبات التعلميّة. إن رسالة وزارة التربية هي التربية قبل التعليم، والتعليم حق للجميع".
استعرضت الخوري مراحل المشروع منذ انطلاقه، مشيرة إلى أن نموذج الفصل في مؤسسات متخصصة، أو حتى الدمج الجزئي، لم يكن الحل الأنسب، وأن الأبحاث أثبتت أن الدمج الكامل هو الطريق الصحيح، لأنه يرسّخ ثقافة الاختلاف وتقبل الآخر.
وأوضحت أن "الوزارة تعتمد نموذج التعليم المتعدد المستويات، حيث يتم تقديم تعليم متمايز عالي الجودة في المستوى الأول، ثم تقسيم التلامذة إلى مجموعات في المستوى الثاني، وتقديم الدعم الفردي في المستوى الثالث حسب الحاجة. وأكدت هدفنا أن تصبح كل مدرسة في لبنان دامجة بحلول عام 2030. ويجب أن نُكيّف المدرسة مع حاجات التلميذ، لا أن نُكيّف التلميذ مع المدرسة".
وأثنت على تجربة المدرسة العُمانية النموذجية، معتبرة إياها من المدارس الرائدة، وقالت: "رافقتُ الأستاذ حذيفة منذ انطلاقة المشروع، واليوم أستطيع القول بثقة إن هذه المدرسة هي من بين الأوائل، بفضل إدارتها ومعلميها ومجتمعها الحاضن". وأكدت أن "الدمج لا يخدم فقط التلامذة ذوي الصعوبات، بل يخدم كل المتعلمين، لأنه يعلمهم القيم، ويُرسي أساساً أخلاقياً للتعليم. كل طفل ذكي بطريقته، والذكاء يُعلَّم، ومهمتنا أن نعلّم كل طفل كيف يبلغ أقصى قدراته".
بهية الحريري
في كلمتها، عبّرت السيدة بهية الحريري عن فخرها بالمشاركة في هذا اللقاء، قائلة: "نعود اليوم إلى المدرسة العُمانية النموذجية لنشارك في هذا اللقاء التربوي المميز، الذي يعكس مسيرة طويلة من العمل المشترك مع الأستاذ حذيفة الملاح والهيئة التعليمية". وأضافت: "هذا اللقاء، الذي ينعقد في نهاية عام دراسي وبداية عام وطني، يفرض علينا الدمج بين مكوّنات الوطن، بعيدًا عن الإقصاء والغبن. لقد خسر لبنان كثيرًا من طاقاته بسبب التهميش، وحان الوقت لنبني مدرسة وطنية دامجة، نستعيد فيها وحدة هويتنا، ونضع خارطة طريق نحو التحديث والعدالة والإنماء المتوازن".
حلقات النقاش
عُقدت أربع حلقات نقاش تناولت موضوع التربية الدامجة من زوايا مختلفة:
1. حلقة أولى مع فريق عمل التربية الدامجة في المدرسة العُمانية النموذجية الرسمية، وضمّت مختصين في التربية، علم النفس، وتقويم النطق.
2. حلقة ثانية عرض فيها عدد من التلامذة ذوي الصعوبات التعلميّة وأهاليهم تجاربهم الشخصية.
3. حلقة ثالثة شارك فيها معلمون ناقشوا تجاربهم في تطبيق الدمج داخل الصفوف.
4. حلقة رابعة بعنوان "المجتمع في خدمة التربية الدامجة"، تحدث فيها ممثلون عن نقابة المعلمين وخبراء في تكنولوجيا المعلومات حول دور المجتمع في دعم الدمج.
أبرز التوصيات
التأكيد على أن الدمج المدرسي حق أساسي للطفل، وفقًا للمعاهدات الدولية.
التزام بتطبيق السياسة الوطنية للتربية الدامجة بشكل شامل بحلول 2030.
ضرورة توفير الدعم للمؤسسات التعليمية الساعية إلى الدمج.
إعداد المعلمين وتدريبهم على استراتيجيات تعليمية تراعي الفروقات الفردية.
تكييف أساليب التقويم والامتحانات بما يضمن العدالة التربوية.
إشراك كافة أفراد المدرسة في عملية الدمج، من الإداريين إلى السائق والحارس.
تكثيف التوعية المجتمعية لتقبّل ذوي الاحتياجات الخاصة.
تأمين حوافز مادية ومعنوية للمعلمين في المدارس الدامجة.
تهيئة الأبنية المدرسية لتكون ملائمة لاحتياجات جميع التلامذة.
اعتبار المدرسة الدامجة نموذجًا للعدالة والتنوع المجتمعي.