سامر زريق

"المشاريع" في وجه "الجماعة" والجمعيات

السنيورة وبيروت والحب المستحيل

غداة انحسار موجة المد الطائفي المفتعل في بيروت نسبياً، بفعل حملات التبريد التي قادها رئيس الحكومة ودار الفتوى، انبرت الأطراف السنية الفاعلة لتشكيل ائتلاف سياسي موسع تتسربل به المناصفة، في مواجهة لائحة التغييريين ضمن "ائتلاف بيروت مدينتي 2025"، التي تسعى لاستثمار هذا الجمع غير المتجانس مما يعرف بـ "أركان المنظومة" لتحقيق الفوز الذي كادت تحققه عام 2016، ولائحة ثالثة تضم تحالف النائب نبيل بدر و"الجماعة الإسلامية" والعائلات والجمعيات، مع إمكانية ولادة لائحة رابعة تمثل المجتمع المدني أيضاً بقيادة رلى العجوز.



ائتلاف "الضمانة" و"الرافعة" و"الإستراتيجيا"



إزاء التحدي الكبير المتمثل في لعب دور "الضامن" للمناصفة، أفضت المباحثات السنية إلى عملية تقاسم أدوار بين 3 أطراف:

النائب فؤاد مخزومي ليكون "الضمانة" على اعتبار أنه مرشح طبيعي لرئاسة الحكومة، وعلى تنسيق مع القوات والقوى المسيحية، بالإضافة إلى إمكانياته المالية المعروفة، على أن تكون جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية هي "رافعة" هذا التحالف من خلال ماكينتها الانتخابية القوية وقاعدتها الناخبة المتماسكة. فيما يكون الرئيس فؤاد السنيورة هو "عقل" هذا التحالف الذي يتناسب ومساعيه إلى تظهير قدراته الإستراتيجية في حياكة المعادلات وتدبير التعقيدات.




بيد أن عملية استيلاد الائتلاف القيصرية واجهت عدة إشكاليات. تتمثل أولاها بأن الطرح الأساسي كان الاتفاق على اسم شخصية لرئاسته يُترك لها اختيار أسماء الأعضاء حسب الأعراف السائدة، بالتشاور مع العائلات والجمعيات والقوى السياسية. وبعدما اقترحت "المشاريع" العميد المتقاعد محمود الجمل، وأبلغ بذلك، انطلاقاً من سهولة تسويق اسمه في الأوساط الشعبية، حيث نال نحو 3 آلاف صوت تفضيلي في الانتخابات النيابية الأخيرة، وعدم وجود تحفظات سياسية عليه، أفضت التركيبة المشار إليها إلى ترك حق التسمية للنائب مخزومي ليختار شخصية محسوبة عليه، والتراجع عن تسمية الجمل.




ثانيها: منح مخزومي القوى المسيحية تسمية 12 عضواً، و"الثنائي الشيعي" عضوين، و"الحزب التقدمي الاشتراكي" عضواً واحداً، دون مراعاة تمثيل العائلات المسيحية في رأس بيروت والمزرعة والمصيطبة، والتي كان هناك حرص على تمثيلها في هذا الاستحقاق، في حين أن كثرة اللاعبين السنة جعلت المقاعد الـ9 ضيقة.


ثالثها: تجاهل تمثيل النسيج الشيعي البيروتي من خارج دوائر نفوذ "الثنائي" للحؤول دون استخدام بدعة "الميثاقية"، علاوة على صعوبة تمثيل "حزب الله" بشكل مباشر.




إذ ذاك، ابتدع العقل الإستراتيجي حلاً لهذه المعضلات من خلال توظيف الفكرة التي تروّجها آلة "الحزب" الإعلامية حول وجود "فيتو" سعودي على "الجماعة الإسلامية" من أجل إبعادها والنائب بدر وجمعيات إسلامية معروفة مثل "الفتوّة" و"الإرشاد والإصلاح". مقابل تمثيل الوزير السابق محمد شقير والاعتماد على قدراته المالية مع النائب مخزومي، بالإضافة إلى القاعدة الناخبة لـ "المشاريع" التي جرى تضخيمها كثيراً. في موازاة إقناع "الحزب" بتسمية "حركة أمل" لشخصيتين شيعتين تمثلان "ثنائي"، وتشير المعلومات إلى أن الأول وافق على هذه التخريجة.




بيد أنه ثمة إشكالية رابعة يصعب تدبيج حل لها، وتتمثل في حالة الغضب البادية في الأوساط البيروتية مما تعده محاولة جديدة للاستئثار بقرارها وتزعّمها رغماً عن أهلها من قبل الرئيس السنيورة، حيث تشير مصادر سياسية إلى أن الشارع السني على بيّنة من بصماته على خط إنضاج التحالف من خلال نشاط أشخاص معروفين بقربهم منه، أبرزهم شخصية بيروتية على علاقة وثيقة بمخزومي، الأمر الذي ينذر بتعرّض اللائحة إلى ردة فعل جماهيرية عكسية.




المزاج البيروتي

تشير أوساط النائب نبيل بدر إلى أنه يقترب من تشكيل لائحة تحاكي المزاج البيروتي من خلال تمثيل العائلات والجمعيات العريقة ذات الحضور مثل "الفتوة" و"الإرشاد والإصلاح"، والعائلات المسيحية في رأس بيروت والمصيطبة والمزرعة، واستقطاب القواعد الناخبة المحافظة، وتلك المؤيدة لـ"تيار المستقبل" التي تمقت السنيورة ومخزومي و"المشاريع" أيضاً.



إلا أن الانتشار الواسع لفكرة "الفيتو" السرابية عقد مسار هذه اللائحة، ولا سيما مع توظيف اللقاء الذي جمع السفير السعودي الدكتور وليد البخاري بالشيخ حسام قراقيره، للإشاعة بأن المملكة تدعم "المشاريع" للوقوف في وجه "الجماعة الإسلامية" بما هي الفرع اللبناني في "الإخوان المسلمين" ويربطها حلف وثيق بـ "حماس"، إلى الحد الذي دفع إلى إجراء اتصالات مع الجهات المعنية التي نفت الأمر. وتشير المعلومات إلى أن السفير السعودي قد يستقبل النائب عماد الحوت لدحض هذه الفكرة.



ومع ذلك، تواجه هذه اللائحة إشكالية التمثيل المسيحي والشيعي، حيث جرت محاولات لإقناع القوى المسيحية بتوزيع الشخصيات المتفق عليها بين اللائحتين، إلا أن وضعية القوى المسيحية واتفاقها على صيغة موحدة، والتزامها التام بالتحالف مع النائب مخزومي، وكذلك الحال بالنسبة لـ "الثنائي الشيعي"، يصعبان من مهمة تشكيلها. في حين أن ترك مقاعد فارغة لإفساح المجال أمام نجاح المسيحيين قد يؤدي إلى اتهام اللائحة بتعمّد ضرب المناصفة. وثمة محاولات جرت لإقناع "التيار الوطني الحر" بانضمام بعض مرشحي التوافق المسيحي إلى هذه اللائحة، لكنه تردّد في المواقفة لكي لا تتخذ المعركة طابع صراع مسيحي بيني يشتت الأصوات ويعقد مهمة المناصفة أكثر.



ائتلاف بيروت مدينتي

في غمرة التركيز على المناصفة والحد من الاحتقان الطائفي والاتئلاف السياسي الموسع، كانت القوى التغييرية تنجز بهدوء مع قوى المجتمع المدني "ائتلاف بيروت مدينتي 2025"، من خلال البناء على تجربة عام 2016 وما راكمته من رصيد خلال السنوات الماضية، خصوصاً في أوساط القاعدة الشبابية التوّاقة إلى نفس تجديدي يُخرج الاستحقاقات الانتخابية من دائرة الزبائنية السياسية وإعادة تجديد خلايا النظام المتهالكة، وينسجم مع روحية المرحلة الانتقالية التي يمر بها لبنان، ويدعم نهج الإصلاح من خلال انتخاب مجلس بلدي متجانس، يحمل خطة نهوض واضحة مبنية على تشخيص الأزمات بشكل علمي ودراسة الواقع.



هذا الائتلاف الذي يرأسه المهندس فادي درويش، شقيق رئيس البلدية الحالي عبد الله درويش، قدّم في مؤتمر صحفي برنامجاً شاملاً وجذاباً يُحاكي طموحات وتطلعات شباب بيروت، بمراحل متدرّجة تضع أهدافاً محددة لكل سنة من عمر المجلس. بيد أن ما يُؤخذ عليه في  الأوساط البيروتية هو اليسارية الراديكالية التي تبرز في خطاب أركانه وتطغى عليه.



فإن كانت هذه اليسارية قادرة على اجتذاب قواعد شبابية رافضة للواقع وطامحة إلى إحداث ثورة تجديدية، إلا أنها في المقابل تنفّر القواعد الوسطية والمحافظة، والتي تعد الأكبر والأكثر حضوراً في بيروت. ومع ذلك فإن الاندفاعة الهائلة التي تتمتع بها، ممزوجة بفكرة تغيير التكلس السائد في أروقة المجالس البلدية، تمنحانها قدرة تنافسية لا يستهان بها.



تعديل القانون

وحده النائب وضاح الصادق انفرد بنهج مختلف عن باقي نواب بيروت، حيث ابتعد عن ضجيج وتعقيدات اللوائح لتمسكه بفكرة أن الانتخابات البلدية هي ذات طابع إنمائي بحت يقتضي إبعادها عن أتون الصراعات السياسية والطائفية، ودعم تمثيل العائلات والجمعيات لكونها الأكثر اتصالاً بالواقع ولديها إرث من النجاح في العمل الإنمائي والمجتمعي يجعلها الأكثر جدارة بالتمثيل.

ارتأى الصادق الاهتمام بانتخابات المخاتير لكونهم الأكثر تماساً مع هموم الناس وشجونهم اليومية، ويعدون حلقة التواصل الأنجع بين القوى المجتمعية وممثليهم في البرلمان.



في موازاة تركيز جهده على التواصل مع مختلف الأطراف السياسية لتشكيل مظلة تدعم إجراء تعديلات على قانون البلديات الحالي تزيل العراقيل التي تقوض قدرة المجالس البلدية على الإنتاج وتحد من فعالية الآليات الرقابية نظراً لتداخلها مع عملية إنتاج القرار ومستوياته التنفيذية، لقناعته بأنه مهما كان شكل المجلس البلدي المنتخب وتوازناته فإن سيبقى مكبلاً بأثقال سياسية وطائفية تعيد إنتاج الفشل من جديد.

وحسب المعلومات فإنه نجح عبر جولاته على القيادات السياسية في الوصول إلى تفاهم على تشكيل لجنة لإجراء هذه التعديلات خلال مهلة 3 أشهر، على أن يتم الإعلان عنها عقب انتهاء الانتخابات البلدية.