في العاشر من أيار، يُسلّط العالم الضوء على مرضٍ لا يزال حتى اليوم يلفّه الكثير من الغموض ويُثقل كاهل من يُصاب به: التصلب اللويحي، المرض المزمن الذي يُهاجم الجهاز العصبي المركزي ويُعطّل وظائفه الحيوية، ويحوّل المسيرة الحياتية للمصابين به إلى تحدّ يوميّ طويل الأمد.
في اليوم العالمي للمرض، تقول مؤسسة ورئيسة الجمعية اللبنانية لمرضى التصلب اللويحي (ALISEP) جاين كوسى لـ "نداء الوطن" إن التصلب اللويحي هو مرضٌ مناعيّ ذاتيّ يطال الدماغ والنخاع الشوكي، فتتشكّل لويحات تعيق مرور الإشارات العصبية بين الدماغ وبقية أعضاء الجسم. هذه الانقطاعات العصبية تؤدي إلى اضطرابات في الحركة، الرؤية والتوازن، وقد تتفاقم مع مرور الوقت وصولاً إلى العجز الكامل، إذا لم يُتابَع المرض بالأدوية والعلاجات المناسبة.
غير أن التحدّي الأكبر، بحسب كوسى، لا يكمن في فهم المرض فقط، بل في القدرة على الاستمرار في العلاج، في ظلّ واقع اقتصادي قاسٍ ترك المصابين يواجهون مصيرهم بأنفسهم. فمن أصل 17 دواءً كان متوفراً قبل الأزمة الاقتصادية عام 2019، اختصرت وزارة الصحة هذه الأدوية بثلاثة فقط، في قرارٍ أثار اعتراضات الأطباء والاختصاصيين، لأن التصلب اللويحي لا يأخذ شكلاً واحداً، ولا علاجاً موحداً. وتُشير كوسى إلى أن هذه الأدوية لا تشفي من المرض، لكنها تُبطئ تقدّمه، وهو ما يجعل منها ضرورة لا رفاهية.
كلفة العلاج وحدها تكفي لنسف أي استقرار مادي. فالإبر التي تُعطى مرتين سنوياً، كلفة الواحدة منها 12 ألف دولار، وقد تم استبدالها أخيراً ببديل لا تتعدى كلفته ألف دولار، وفق ما تقول كوسى. أما كلفة الأدوية الشهرية فتبدأ من 800 دولار وتستمر مدى الحياة.
إن سبب المرض ما زال غير معروف بدقة، إلا أنه مرتبط بخلل في عمل الجهاز المناعي، الذي يُخطئ فيُهاجم الخلايا العصبية. وغالباً ما تظهر الأعراض الأولى بين سن الـ 20 والـ 40، حيث تُصاب النساء بثلاثة أضعاف عدد الحالات لدى الرجال. أولى العلامات عادة ما تكون تشوشاً في الرؤية، كثيراً ما يُغفل عن كونها الإنذار الأول لمرضٍ عميق.
في الأرقام، تُظهر آخر الإحصاءات وجود نحو 3000 مصاب بالتصلب اللويحي في لبنان. وتؤكد كوسى أن جمعيتها ALISEP، التي تضم نحو 1500 مريض مسجل، تتابع دعم هؤلاء ليس فقط مادياً بل معنوياً أيضاً. وتشرح: "كنا قبل الأزمة نغطي الفروقات التي لا يشملها الضمان الاجتماعي، والذي كان يؤمن سابقاً 90 % من التكاليف، فيما كنا نتكفّل بالـ 10 % المتبقية. أما اليوم، وبعد أن تقلّصت قدرة الضمان، فإننا نأمل بتحقيق المساعي الجارية لإعادة إحياء التغطية، لأننا لم نعد نتمكن من سدّ كل الثغرات".
وتضيف: "نساعد المرضى أيضاً في تغطية تكاليف الصور الشعاعية، الرنين المغناطيسي، دخول المستشفى والفحوصات المخبرية، إلى جانب المتابعة النفسية، والدورات التوعوية التي ننظمها على مدار السنة بمشاركة اختصاصيين من مجالات متعددة، بهدف تمكين المرضى وأسرهم من فهم المرض ومجابهته بوعي ومعرفة".
وفي هذه المناسبة، تعقد الجمعية مؤتمراً توعوياً اليوم في المستشفى اللبناني الجعيتاوي الجامعي في الأشرفية، في الثالثة من بعد الظهر، بحضور أكثر من 400 مصاب ومصابة، في خطوة تكرّس الأمل والعلم في مواجهة الخوف والضياع.
وفي ختام حديثها لـ "نداء الوطن"، وجهت جاين كوسى نداءً مؤثراً: "هؤلاء المرضى مناضلون حقيقيون. منهم من انتظر خمس سنوات دون دواء ملائم، ومنهم من يستحق أن يحيا بكرامة ويعمل ويُنتج. هؤلاء ليسوا أرقاماً ولا ملفات طبية، بل بشر خلاقون، ومن حقهم أن يُعالجوا وألا يُترَكوا وحيدين. أناشد كل من يملك قدرة التأثير أو المساعدة أن يقف إلى جانبهم".
هكذا هو التصلب اللويحي... مرضٌ خفيّ لا يُرى لكنه يُعاش بكل جوارح الجسد والروح. ووسط هذا الألم، تبرز مبادرات كجمعية ALISEP كمرآة حقيقية لوجعٍ متروك، ولإرادة تُحاول أن تُبقي الأمل حيّاً في عيونٍ ضبابية، تنتظر غداً لا يشبه اليوم.