حين يقف البابا الجديد ليترأس أول قداس علني له يوم التنصيب، الذي يعرف بقداس التولية في ساحة القديس بطرس، ستتجه إليه أنظار العالم، منتظرين كلماته الأولى، خاصة تلك التي ستكشف عن سر اختياره لاسم "لاوون الرابع عشر".
في الكنيسة الكاثوليكية، الإسم الذي يحمله البابا ليس مجرد تعريف شخصي، بل رسالة صغيرة عن المسار الذي ينوي أن يسلكه. ومنذ أن غيّر البابا يوحنا الثاني اسمه في القرن السادس، أصبح تقليد تغيير الإسم، إعلاناً ضمنياً عن بداية جديدة، وعن انتماء روحي وفكري إلى شخصية معينة في تاريخ الكنيسة.
تاريخ الباباوات في تغيير أسمائهم
يُروى أن أول من فعل ذلك كان البابا يوحنا الثاني سنة 533 ميلادياً، واسمه الأصلي كان "مرقوريوس"، اسم وثني مرتبط بالإله الروماني، فرأى أنه لا يليق أن يحمله رأس الكنيسة. ومنذ ذلك الحين، أصبح تغيير الاسم عرفاً، يؤكد أن انتخاب البابا يُحدث تحولاً جذرياً في حياته، وأنه يخرج من ذاته ليتقمّص دوراً جديداً بكل أبعاده الروحية والتاريخية. ومنذ سنة 996، لم يحتفظ أي بابا باسمه الأصلي، بل أصبح الاسم الجديد رمزاً لمرحلة، ورسالة.
لماذا "لاوون الرابع عشر"؟
اختيار روبرت بريفوست، الكاردينال الأميركي، لهذا الاسم لم يكن عابراً. "لاوون" هو اسم ارتبط عبر التاريخ بالقوة العقائدية، وبالقدرة على القيادة في أوقات الأزمات، وبالسعي إلى إصلاح العلاقة بين الكنيسة والعالم.
أكثر ما يلفت في الاسم هو ارتباطه بشخصيتين بارزتين: لاوون الكبير (المعروف بـ"لاوون الأول")، الذي واجه الانقسامات اللاهوتية بشجاعة ووقف بصلابة في وجه انهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية، مثبتاً مكانة روما كمرجعية روحية. والبابا لاوون الثالث عشر، الذي حمل الكنيسة إلى عتبة الحداثة عبر انفتاحه على القضايا الاجتماعية، وكتب وثيقة Rerum Novarum التي أرست الأسس الأخلاقية لعلاقة الكنيسة بالعمال والنظام الاقتصادي الحديث.
من هنا، قد يكون "لاوون الرابع عشر" يريد أن يُظهر استعداده لحمل إرث القوة العقائدية والانفتاح الاجتماعي في آنٍ واحد، في عالمٍ تتصاعد فيه التحديات الأخلاقية، والتكنولوجيا، والهويات المتعددة.
الباباوات الذين حملوا اسم "لاوون"
منذ القرن الخامس، حمل الاسم "لاوون" ثلاثة عشر بابا، نذكر أبرزهم:
لاوون الأول (440–461): يُلقب بـ"العظيم"، ويُعتبر من أهم باباوات العصور القديمة. واجه الاجتياحات البربرية، وعمل على إعلان عقيدة الثالوث، ورسّخ سلطة روما.
لاوون الثالث (795–816): توّج الإمبراطور شارلمان، مؤسساً لتحالف طويل بين الكنيسة والعرش الإمبراطوري.
لاوون التاسع (1049–1054): أحد مهندسي الإصلاحات الكنسية الكبرى، وحاول معالجة الانقسام مع الكنيسة الشرقية.
لاوون العاشر (1513–1521): بابا عصر النهضة، راعي الفنون، لكنه أيضاً البابا الذي واجه بداية الإنقسامات وثورة مارتن لوثر.
لاوون الثالث عشر (1878–1903): "بابا العدالة الاجتماعية"، كتب 86 رسالة بابوية، وانفتح على قضايا الحداثة والعمال والفقراء.
وبينهم أيضاً باباوات لم تدم فتراتهم طويلاً، لكنهم تركوا بصمات في فترات مضطربة: لاوون الثاني، لاوون الرابع، لاوون الحادي عشر ، وغيرهم.
الاسم في الكنيسة الكاثوليكية ليس زخرفة، بل هوية ورسالة. وعندما يختار البابا الجديد اسم "لاوون الرابع عشر"، فهو يدعونا من دون أن يتكلم إلى مراجعة تاريخٍ حافل بالتحوّلات العميقة.
وإذا كان لكل بابا حكاية تبدأ من لحظة نطقه لاسمه الجديد، فإن اختيار "لاوون" اليوم قد يعني أننا أمام حكاية تُكتَب بروح الماضي، وبأسئلة المستقبل. ويبقى أن ننتظر صوته، ليُكمِل ما بدأه الاسم.