ألين الحاج

في "المعارك" البلدية: لا تنافُس على الثقافة

المكتبة الوطنية في بيروت

تتنازع لوائح الانتخابات البلديّة على كل ما يُعدّ ورقة رابحة في صناديق الاقتراع: الكهرباء، الطرقات، المياه، وفرص العمل. يشتد التنافس على المشاريع "الملموسة" وتُملأ البرامج بالوعود "الضرورية". أما الثقافة، فإمّا غائبة كليّاً أو مذكورة بخجل كأنها ترفٌ لا يستحق ساحة التنافس.

هي ليست بنداً تتسابق عليه اللوائح، ولا فكرة تُبنى حولها الرؤى، بل غالباً ما تُسقط من الحساب كأن لا مكان لها في معركة البلديات.


نعم، تُذكر الثقافة أحياناً في بعض برامج اللوائح أو المرشّحين، لكن نادراً ما تُطرح كأولوية أو تُدرَج في صلب التنافس. غالباً ما تأتي في الهامش بعد العناوين "الأكثر إلحاحاً". حتى في المدن، حيث الفاعلون الثقافيون كُثر، نادراً ما نجد من يجعلها ركناً أساسياً. وكأنّ هناك اتفاقاً غير معلن بأن لا ضرورة للتنافس على الثقافة كونها لا تجلب الأصوات، ولا تُحفّز على الاقتراع.


غياب مبرّر 

من جهة أخرى، قد يبدو غياب المشاريع الثقافيّة عن الاهتمامات البلديّة مبرَّراً في ظلّ ما يعيشه لبنان من أزمات ضاغطة. فالناس تبحث عن الحدّ الأدنى من مقوّمات العيش، والبلديّات بالكاد قادرة على تأمين الخدمات الأساسيّة، وهي ليست مؤسسات ثقافية متخصّصة ولا تملك الموارد الكافية.


لكن رغم كل ذلك لا يصح أن تُهمّش الثقافة أو يتم إسقاطها من الحساب. فهي ليست ترفاً بل حاجة أساسية ورافعة لا يمكن الاستغناء عنها، خصوصاً في بلد كلبنان له ما له في الثقافة وعليها.


الثقافة في الزمن الرقمي

لكن في الواقع، لم تعد الثقافة تُختصر في أمسية شعرية أو معرض تراثي. إذ في زمن الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي، باتت الثقافة تعني أيضاً القدرة على استخدام التكنولوجيا بوعي وإنتاج المحتوى الهادف والتفاعل النقدي مع الذكاء الاصطناعي والمنصات الرقمية، تماماً كما هي زجل ودبكة وفن سرد الحكايات.


فليكن التنافس إذاً في الانتخابات البلديّة اللاحقة، وربّما النيابيّة (لِمَ لا؟)، على من يُقدّم أفضل مشروع ثقافي ومن يربط القرية أو البلدة أو المدينة بالعصر، ومن يجعل من القصور أو المقارّ البلديّة (كما هي حال بعضها القليل) مساحات حاضنة للفن والفكر والإبداع لا فقط لجداول الجباية واستمارات الرُّخَص.


وفي ذلك، تقع المسؤولية أيضاً على الناخبين والمثقفين والفنانين وكل من يحمل هاجس الكلمة والفكرة والهوية. فكما نطالب كمواطنين بالمياه والكهرباء والنظافة من حقّنا أن نطالب بالثقافة. من حقّنا أن نُذكّر المرشّحين أنّ الثقافة ليست واجهة بل رافعة، وأن القرى والبلدات والمدن لا تحيا فقط بالبنى التحتيّة، بل بالذين يفكّرون ويبدعون ويُحيون ذاكرتها.