كاميرون هادسون

شطْب السودان من قائمة الإرهاب... ماذا الآن؟

23 تشرين الأول 2020

المصدر: Atlantic Council

02 : 01

Sudan
بعد 27 سنة على وجود السودان على القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، أعلن الرئيس دونالد ترامب عبر تويتر عن شطب البلد أخيراً من هذه القائمة. لم تتّضح بعد تفاصيل الصفقة الحاصلة بين إدارة ترامب والسلطات الانتقالية في السودان، لكن يمكن اعتبار هذا الإعلان بحد ذاته إنجازاً كبيراً لواشنطن والخرطوم في آن. لقد أُعيد ضبط هذه العلاقة المضطربة رسمياً وبدأ فصل جديد بين البلدَين.

بالنسبة إلى الحكومة الانتقالية التي تتعرّض لحصار متزايد بقيادة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك وبقية أجزاء السودان، ظهر هذا الخبر في الوقت المناسب. في ظل ارتفاع معدل التضخم وتجاوزه عتبة 200% وتراجع قيمة الجنيه السوداني إلى 262 مقابل الدولار (بعدما كان 82 حين وصلت الحكومة المدنية إلى السلطة قبل 13 شهراً فقط)، يشهد الاقتصاد السوداني انهياراً كاملاً. في الوقت نفسه، أصبحت صفوف الانتظار لشراء الخبز والوقود في العاصمة الخرطوم طويلة اليوم أكثر مما كانت عليه خلال عهد الرئيس عمر البشير، وبدأت مواقف الأشخاص العالقين في تلك الصفوف تتحوّل إلى سخط عارم نظراً إلى طريقة تعامل الحكومة مع الأزمة.

قد لا يُحقق شطب السودان من قائمة الإرهاب أي نتائج على مستوى تخفيف الاضطرابات الاقتصادية على المدى القصير، لكنه يشكّل انتصاراً سياسياً كبيراً للحكومة الانتقالية التي وصلت إلى السلطة وهي تتعهد بإزالة السودان من تلك اللائحة وتجديد علاقة البلد مع بقية دول العالم. كان شطب السودان من قائمة الإرهاب أكبر جائزة للحكومة السودانية، وتترافق هذه الخطوة مع ضخ رأسمال سياسي قيّم سيمنح الحكومة، في الحد الأدنى، وقتاً إضافياً كي تحاول تنظيم وضعها الاقتصادي وتنفيذ وعدها بإرساء نظام ديموقراطي دائم يخدم مصالح الشعب السوداني الذي عاش معاناة طويلة.

من وجهـة نظر واشنطن، كان قـــرار شطب السودان من قائمة الإرهاب مهماً لعدد من الأسباب. قد يعتبره الكثيرون مبرِّراً لمقاربة "أميركا أولاً" التي تطبقها الإدارة الأميركية في مجال السياسة الخارجية، بما أن الرئيس يعتبر هذه الصفقة كفيلة بتوفير تعويضات بالملايين للأميركيين الذين وقعوا ضحية عمليات إرهابية سودانية في الماضي، ومن المتوقع أيضاً أن يتم الإعلان عن تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل هذا الأسبوع على الأرجح. لكن عقد ترامب صفقة صعبة في ظروفٍ لا تتطلب هذا النوع من الصفقات.

في النهاية، تترافق التنازلات التي قدّمها السودان مع كلفة معينة على الولايات المتحدة. أدت المقاربة الصارمة التي استعملتها واشنطن في مفاوضاتها مع السودان خلال الأشهر القليلة الماضية إلى تهميش أصدقاء الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا وإفريقيا، علماً أن هذه الأطراف تشعر بالقلق من رفع صفة الإرهاب عن السودان، حتى أن هذه الخطوة ساهمت في تصاعد النزعة المعادية للولايات المتحدة داخل السودان (مع أن واشنطن تأمل الآن في عقد شراكات مع البلد في مجالات متنوعة، بدءاً من مكافحة الإرهاب وصولاً إلى التجارة). لهذا السبب، يجب أن تتجنب واشنطن اليوم تفوّق تكاليف هذا الإنجاز على منافعه.

في آخر أسبوعين قبل موعد الانتخابات الرئاسية، ستستفيد الإدارة الأميركية من عدم اعتبار شطب السودان من قائمة الإرهاب مجرّد انتصار ديبلوماسي عابر أو تبرير إضافي لخطة السلام الأميركية في الشرق الأوسط، بل يجب أن تكون هذه المبادرة خطوة متقدمة تُمهّد لتنفيذ عملية انتقالية ديموقراطية سلمية في القرن الإفريقي وجواره. يعني هذا التطور الابتعاد بكل وضوح عن المقاربة الأميركية العامة التي لم تعد تبالي بنشر الديموقراطية والتصدي، ولو بطريقة بسيطة، للفكرة القائلة إن واشنطن تفضّل الاستقرار على الديموقراطية. في المراحل المقبلة، يستطيع السودان أن يثبت أن هذه الأهداف ليست حكراً عليه بل يمكن تحويل تجربته إلى نموذج يُحتذى به في أنحاء المنطقة.





كذلك، يجب أن تتخذ واشنطن خطوات فورية لتنفيذ لائحة الحوافز الطويلة التي وعدت السودان بهـــــا مقابل إقدام الخرطوم قريباً على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل. لم تَصدر بعد تفاصيل وثيقة البيت الأبيض علناً، لكن تفيد التقارير بأن لائحة البنود الطويلة تشمل ما يلي:

• مساعدات تنموية وإنسانية إضافية تفوق قيمتها مستوى المساعدات الراهنة بمئات الملايين وتشمل فائضاً من القمح وإمدادات طبية أصبح الشعب السوداني بأمسّ الحاجة إليها اليوم.

• مؤتمر أميركي للتجارة والاستثمار لصالح السودان، مع إرسال وفد تجاري رفيع المستوى إلى الخرطوم بقيادة "مؤسسة تمويل التنمية".

• التعهد بإشراك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لدعم وتسريع النقاشات حول إعادة هيكلة ديون السودان الخارجية التي تصل قيمتها إلى 65 مليار دولار، وإعفاء البلد من الديون المتأخرة التي تبلغ 3 مليارات دولار، وإطلاق مسار لتخفيف أعباء الديون بموجب "مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون".

• تحديد الحصة الأميركية من خطة تخفيف أعباء المديونية في السودان ضمن ميزانية العام 2021، ومن المتوقع أن تُكلّف أكثر من 300 مليون دولار.

• شطب السودان من قائمة حظر السفر التي وضعتها الإدارة الأميركية.

• التواصل مع الكونغرس حول تشريع السلام بطريقة قانونية في السودان لدحض ادعاءات الإرهاب ضد البلد أخيراً، وتحضير مقاربة مُنظّمة لمعالجة مطالبة ضحايا اعتداءات 11 أيلول بتعويضات هائلة.

كانت معظم هذه البنود لتصبح قيد التحضير أصلاً لو أن الإدارة الأميركية التزمت بدعم العملية الانتقالية الديموقراطية في السودان وتجنّب الانهيار المالي ومنع عودة الحكم العسكري. لكن لم تُحدد إدارة ترامب وجهتها بوضوح أمام الحكومة الانتقالية، وتصاعد إحباط الشعب السوداني، وحرص الجيش على التدخل لضمان عقد صفقة نهائية في حال عجزت السلطات المدنية عن فعل ذلك. (لا بد من الإشادة بقادة السودان المدنيين والعســــكريين لأنهم وضعوا مقارباتهم التكتيكية المختلفة في هذه المفاوضات جانباً وتمتعوا بانضباط كافٍ لطرح موقف مشترك على أمل أن تزيد خطوتهم قوة الحكومة الانتقالية في المرحلة المقبلة).

لحسن الحظ، قد تصبح أي أخطاء ارتكبتها واشنطن في مفاوضاتها الخاصة منسيّة خلال وقتٍ قصير، على افتراض أن تنجح الإدارة الأميركية في تنفيذ الاتفاق بسرعة وشفافية. يجب أن تبدأ هذه المرحلة بتوجيه تبليغ رسمي إلى الكونغرس بدءاً من هذا الأسبوع للكشف عن نيّتها بشطب السودان من قائمة الإرهاب، ويجب أن يحصل تواصل فوري وعالي المستوى مع الكونغرس لضمان ألا يتخذ أي خطوات قد تغيّر مسار الاتفاق من جهة، وللتأكد من قدرته على التوصل إلى اتفاق خاص به لمنح السودان "سلاماً قانونياً" ضد أي ادعاءات إرهابية جديدة بحقه من جهة أخرى. قد تكون هذه التوقعات كلها مستبعدة في الوقت الراهن لأنها تتزامن مع حملة ترامب لإعادة انتخابه، وترشيحات المحكمة العليا، ومفاوضات حول معالجة فيروس "كوفيد-19". مع ذلك، تبقى هذه المبادرة أساسية إذا أراد السودان أن يحصد أكبر المنافع من هذا الاتفاق.

كذلك، تؤدي حملة بايدن دوراً مؤثراً في دعم هذا الاتفاق التاريخي. لا تزال الخرطوم قلقة من أن يواجه أي اتفاق يتم عقده مع اقتراب تغييرٍ محتمل في الإدارة الأميركية مصير الاتفاق النووي الإيراني، وهي محقة في مخاوفها. لطمأنة السودان وإثبات موافقة الحزبَين الجمهوري والديموقراطي على الاتفاق أمام الحلفاء، يجب أن يقدم نائب الرئيس السابق جو بايدن ضمانات مفادها أن إدارته ستلتزم بنقاط الاتفاق الأساسية في حال وصوله إلى سدة الرئاسة في كانون الثاني المقبل.

في النهاية، يستحق هذا الإنجاز الاحتفال والتهنئة ويسهل أن ينشر أجواءً إيجابية نظراً إلى حجم التغيير الذي شهده السودان والتطور في العلاقات الأميركية السودانية خلال الأشهر الثمانية عشر التي تلت سقوط الرئيس عمر البشير، لكن حان الوقت أيضاً للتطلع إلى المستقبل. بعد التخلص من صفة الدولة الراعية للإرهاب، ارتفع سقف التوقعات في السودان وزادت الضغوط على الحكومة السودانية الناشئة كي تحصد أكبر المنافع الممكنة من هذه الفرصة وتُسرّع الجهود المحلية لإصلاح الحياة السياسية والاقتصادية في البلد وتحديثها بالشكل المناسب.

من مصلحة الولايات المتحدة أن تشارك في هذه الجهود لأنها ستنعكس إيجاباً على أمنها القومي على المدى الطويل، لكنّ الأهم من ذلك هو أن أحداً لم يعد يستطيع لومها على إعاقة مسيرة البلد. هذا التطور وحده يُعتبر تقدماً بالغ الأهمية!


MISS 3