مع تعثر مفاوضات الدوحة في التوصّل إلى وقف للنار في غزة، وفي ظلّ إطلاق إسرائيل عملية "عربات جدعون" التي تهدف إلى سيطرة تل أبيب على كامل القطاع، كثف الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ضغوطهما على إسرائيل لوقف الحرب والسماح بتدفق المساعدات بشكل أكبر إلى غزة، بحيث علّقت لندن أمس محادثات التجارة الحرّة مع إسرائيل واستدعت السفيرة الإسرائيلية لديها وأعلنت عقوبات جديدة على مستوطنين في الضفة الغربية، كما كشفت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية كايا كالاس أن "غالبية قوية" من وزراء خارجية الاتحاد المجتمعين في بروكسل أيّدوا مراجعة اتفاقية الشراكة بين التكتل وإسرائيل بسبب "الوضع الكارثي" في غزة، مشيرة إلى أن عقوبات الاتحاد على المستوطنين الإسرائيليين أعدّت بالفعل، لكن دولة عضواً لم تسمّها تعرقلها حتى الآن.
في السياق، أكدت فرنسا تمسّكها بالاعتراف بدولة فلسطين، معربة عن ترحيبها بمراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل. واعتبرت أن تسهيل إسرائيل وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة "غير كاف"، داعية تل أبيب إلى ضمان تقديم مساعدات ضخمة وفورية للقطاع من دون أي عوائق. وكشفت السويد أنها ستتحرّك داخل الاتحاد الأوروبي للضغط من أجل فرض عقوبات على وزراء إسرائيليين معيّنين، بسبب معاملة إسرائيل للمدنيين في غزة، كما صادق البرلمان الإسباني على النظر في مقترح حظر تجارة الأسلحة مع إسرائيل.
توازياً، أكد مسؤولان في البيت الأبيض لموقع "أكسيوس" أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب "محبط مما يحدث في غزة، ويريد إنهاء الحرب، وعودة الرهائن إلى ديارهم، ودخول المساعدات، والبدء في إعادة إعمار غزة"، لكن مسؤولاً إسرائيلياً أفاد بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يشعر حالياً بضغط كبير من ترامب، موضحاً أنه "إذا أراد الرئيس اتفاقاً لإطلاق سراح الرهائن ووقف النار، فعليه ممارسة ضغط أكبر بكثير على الجانبين".
في المقابل، رأت الخارجية الإسرائيلية أن الحكومة البريطانية "مهووسة بمعاداة إسرائيل"، معتبرة أن "الانتداب البريطاني انتهى قبل 77 عاماً بالضبط، والضغوط الخارجية لن تبعد إسرائيل عن مسارها في الدفاع عن وجودها وأمنها في وجه أعداء يسعون إلى تدميرها"، في وقت أكد فيه مكتب نتنياهو أن إسرائيل توافق على المقترح الأميركي لإعادة الرهائن بناء على خطة مبعوث البيت الأبيض ستيف ويتكوف، مشيراً إلى أنه جرى نقل مقترح ويتكوف إلى "حماس" عبر الوسطاء، لكن الحركة لا تزال متمسّكة برفضها. وكشف أنه بعد حوالى أسبوع من المفاوضات في الدوحة، سيعود فريق التفاوض رفيع المستوى إلى إسرائيل للتشاور ويبقى الفريق الفني.
في هذا الإطار، ذكرت "حماس" أن الوفد الإسرائيلي الموجود في الدوحة المفتقر للصلاحيات لم يجر أي مفاوضات جادة منذ السبت الفائت، محمّلة إسرائيل مسؤولية فشل مساعي التوصّل إلى اتفاق "في ضوء تصريحات مسؤوليها الواضحة بعزمهم مواصلة العدوان وتهجير أبناء شعبنا من أرضهم، في تحدّ صارخ لكلّ الجهود الدولية"، لكن الحركة أكدت استمرارها في التعامل الإيجابي مع أي مبادرة توقف الحرب، بينما أكد رئيس وزراء وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن أن مفاوضات وقف النار لم تسفر عن شيء بسبب الخلافات الجوهرية بين الطرفين، لافتاً إلى أن "سلوك إسرائيل العدواني وغير المسؤول يقوّض كل فرصة ممكنة للسلام".
أمّا في ما يتعلّق بالمساعدات التي بدأت إسرائيل بالسماح بدخولها إلى القطاع الإثنين، فأفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بأن الأمم المتحدة حصلت على موافقة من إسرائيل لدخول نحو 100 شاحنة مساعدات طارئة أخرى إلى غزة، لكن لاحقاً ذكرت الأمم المتحدة أنه لم توزع أي مساعدات في القطاع، موضحة أنه "تطلب منا السلطات الإسرائيلية تفريغ الإمدادات على الجانب الفلسطيني من معبر كرم أبو سالم وإعادة تحميلها بعد ذلك بمجرّد أن تتأكد من وصول فريقنا من داخل غزة".
ميدانياً، توعّد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير بعد جولة داخل غزة بأن "حماس" ستدفع ثمن رفضها إطلاق الرهائن وستواجه "قوّة نارية هائلة، وسنوسّع المناورة وسنقوم باحتلال مناطق أخرى وتطهير وتدمير البنى التحتية الإرهابية حتى الحسم"، معتبراً أن "حماس" تقف "أمام خيار واحد فقط وهو إخلاء سبيل مختطفينا، وإذا جرى التوصل إلى اتفاق سيعرف الجيش الإسرائيلي ملاءمة أعماله تناسباً مع ذلك". وذكر أن "أي مقولة تشكّك في أخلاقية أعمالنا القتالية ومقاتلينا لا أساس لها من الصحة"، فيما أفادت وزارة الصحة في غزة بمقتل 87 فلسطينياً من جرّاء العمليات الإسرائيلية في أنحاء القطاع خلال الساعات الـ 24 الماضية.
على صعيد آخر، أكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن بلاده لم تجر أي محادثات في شأن ترحيل الغزيين إلى ليبيا، نافياً ما جرى تداوله من تقارير حول وجود خطة أميركية في هذا الشأن. وأوضح أن أميركا "سألت دولاً أخرى في المنطقة إن كانت مستعدّة لاستقبال أشخاص من غزة، لكنها لم تتحدّث عن نقلهم إلى ليبيا على وجه الخصوص".