بدأت السلطات الفرنسية بالتحرّك جدّياً لمواجهة الصعود الخطر لتيّارات الإسلام السياسي في البلاد، خصوصاً جماعة "الإخوان المسلمين"، لما تشكّله هذه الجماعات العقائدية المتزمّتة من تهديد وجودي للجمهورية الفرنسية ولكلّ ما تمثله وتدافع عنه. وما لعب دوراً أساسياً، ولو بطريقة غير مباشرة، بدفع باريس للمبادرة في هذا الإطار، هو الصعود القوي والسريع لليمين الحازم في مواجهة تنامي التطرّف الإسلامي في أوساط الشباب المسلم، فضلاً عن المخاطر الجسيمة التي تطرحها الهجرة على هوية فرنسا ومستقبلها.
وفي خطوة لافتة صادرة من أعلى الهرم التنفيذي وتحت ضغط متزايد من المعارضة الصاعدة من اليمين الحازم، أمر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس حكومته بوضع مقترحات للتعامل مع تأثير "الإخوان" وانتشار "الإسلام السياسي" في البلاد لكي تجري دراستها في اجتماع مجلس الدفاع في مطلع حزيران، وذلك بعدما ترأس اجتماعاً أمنياً لدراسة تقرير أعدّه موظفان رسميان رفيعان بتكليف من الحكومة يحذّر من "الإخوان"، معتبراً أن الجماعة تشكّل "تهديداً للتماسك الوطني" في فرنسا. وقرّر ماكرون نشر التقرير علناً بحلول نهاية الأسبوع، في وقت أوضح فيه قصر الإليزيه أنه سيجري إعلان بعض الإجراءات التي ستتبع للتعامل مع "الإخوان" بينما ستبقى أخرى سرّية.
في السياق، اعتبر الإليزيه قبيل الاجتماع أن التقرير "يحدّد بوضوح الطبيعة المناهضة للجمهورية والتخريبية لـ "الإخوان المسلمين" ويقترح طرقاً للتعامل مع هذا التهديد"، موضحاً أنه "نحن متفقون تماماً على ضرورة عدم التعميم في التعامل مع المسلمين"، لكنه شدّد على أنه "نقاتل ضدّ الإسلام السياسي وتجاوزاته المتطرّفة". واقترح حزب ماكرون منع القاصرات دون الـ 15 من ارتداء الحجاب الذي اعتبر أنه "يُقوّض بشكل خطر المساواة بين الجنسَين وحماية الأطفال"، كما يسعى الحزب إلى "تجريم أولياء الأمور الذين يجبرون بناتهم دون السن القانونية على وضع الحجاب، بتهمة الإكراه".
ويأتي ذلك بعدما تحدّث التقرير عن تفشي الإسلام السياسي "من الأسفل إلى الأعلى" في فرنسا، محذراً من أن الظاهرة تمثّل "تهديداً على الأمدَين القصير إلى المتوسط". وركّز التقرير على دور "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا" الذي وصفه بأنه "الفرع الوطني لـ "الأخوان المسلمين" في فرنسا". وفيما ذكرت صحيفة "لوفيغارو" المحافظة التي كانت أوّل وسيلة إعلامية تنشر مقتطفات من التقرير أن "الإخوان" يسعون إلى إدخال الشريعة إلى فرنسا، أفاد التقرير بأن "أي وثيقة لم تظهر أخيراً رغبة المسلمين في فرنسا بتأسيس دولة إسلامية في فرنسا أو تطبيق قوانين الشريعة"، محذراً في الوقت عينه من أن التهديد حقيقي. وأوضح أنه "لا نتعامل مع حال انفصالية عدائية" بل مع "هدف خفي، لكنه تخريبي للمؤسسات".
وكشف التقرير أن الحملة الإسلامية تركّز على المدارس والمساجد والمنظمات غير الحكومية المحلّية، بهدف التأثير على عملية صنع القرار على المستويَين المحلّي والوطني، خصوصاً في ما يتعلّق بالعلمانية والمساواة بين الجنسَين. والهدف المعلن لـ "الإخوان" أينما حلّوا حول العالم، هو تطبيق الشريعة الإسلامية.
وأثار التقرير ردود فعل متفاوتة، إذ اتّهمت زعيمة اليمين الحازم مارين لوبن الحكومة بعدم التحرّك، مشيرة إلى أنها لطالما اقترحت إجراءات "للقضاء على الأصولية الإسلامية"، بينما حسم رئيس حزبها "التجمّع الوطني" جوردان بارديلا أنه "إذا وصلنا إلى السلطة غداً"، فسنحظر "الإخوان".
في المقابل، رأى اليساري المتطرّف جان لوك ميلانشون أن "رهاب الإسلام تجاوز الحد"، متهماً المسؤولين بدعم "النظريات الوهمية" للوبن ووزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو. وندّد "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا" بـ "الاتهامات التي لا أساس لها"، محذراً من الخلط بين الإسلام والتطرّف. ورفض بشدّة "أي اتهامات تحاول ربطنا بمشروع سياسي خارجي".