جاد حداد

طبيعة "الواقع الافتراضي" تُحسّن مزاجك

24 تشرين الأول 2020

02 : 00

يبدو أن مشاهدة الطبيعة على تلفزيون عادي تُخفف الملل والعواطف السلبية. لكنّ التفاعل مع الطبيعة في الواقع الافتراضي يسمح بتحسين المزاج ويعزز التواصل مع الطبيعة أيضاً.

تكشف دراسات عدة منافع الطبيعة المباشرة على الصحة النفسية. لكن لا يكون جميع الناس محظوظين بما يكفي كي يتفاعلوا مباشرةً مع البيئات الطبيعية دوماً، لا سيما المسنّين في دور الرعاية أو المرضى في المستشفيات نظراً إلى تراجع نطاق حركتهم.

يشكّل التلفزيون نافذة على العالم الخارجي بالنسبة إلى هذه الفئة من الناس تحديداً، وقد تكون مشاهدة برامج عن الطبيعة طريقة مفيدة لتحسين صحتهم النفسية.

قد تسهم الأفلام الوثائقية المرتبطة بالطبيعة في تخفيف مشاعر الملل التي تربطها الأبحاث بالوحدة والتوتر والاكتئاب لدى المقيمين في دور الرعاية. أراد علماء النفس في جامعتَي "إيكستر" و"سوري" في بريطانيا تحليل المنافع النفسية المحتملة للتفاعل مع الطبيعة عبر سماعة رأس بتقنية الواقع الافتراضي مقارنةً بتجربة مشاهدة التلفزيون.

أراد العلماء أن يعرفوا أيضاً ما إذا كان التفاعل مع بيئة طبيعية افتراضية يعطي أي منافع إضافية مقارنةً مع تجربة الواقع الافتراضي التي تكون أكثر جموداً. بحسب رأيهم، كلما انغمس الناس في التجربة، سيشعرون بقوة "حضورهم" في البيئة المحيطة بهم، ما يسهم في تحسين مزاجهم ومستوى ارتباطهم بالطبيعة. اكتشف الباحثون، على عكس توقعاتهم، أن التلفزيون كان فاعلاً بقدر الشكلَين الآخرَين من الواقع الافتراضي لتخفيف الملل والحالات المزاجية السلبية مثل الحزن.

يقول طالب الدكتوراه نيكي ياو الذي أشرف على البحث الجديد: "تكشف نتائجنا أن مشاهدة الطبيعة على التلفزيون قد تسهم في تحسين المزاج ومحاربة الملل. فيما يواجه الناس حول العالم صعوبة في الاحتكاك بالبيئات الخارجية بسبب تدابير الحجر المنزلي في زمن فيروس كورونا، تستنتج دراستنا أن هذه البرامج قد تشكّل طريقة سهلة لتلقي "جرعة" من الطبيعة الرقمية".

أدى الواقع الافتراضي التفاعلي إلى تحسين المزاج وتعزيز تواصل الناس مع الطبيعة مقارنةً بالواقع الافتراضي الجامد، لكن يبقى هذا النوع الأخير أفضل من مشاهدة التلفزيون العادي.

يستنتج الدكتور ماثيو وايت، طبيب نفسي في جامعة "إيكستر" وأحد المشرفين على الدراسة الجديدة: "قد يساعدنا الواقع الافتراضي على تحسين حالة من يعجزون عن الذهاب إلى المواقع الطبيعية، على غرار المرضى في المستشفيات أو من يتلقون الرعاية الطبية منذ وقت طويل. لكن تسمح هذه التجربة أيضاً بتعميق التواصل بين الأشخاص الأصحاء والطبيعة، وقد تُمهّد هذه الآلية لنشوء سلوكيات صديقة للبيئة وتُشجّع الناس على حماية الطبيعة والحفاظ عليها في العالم الحقيقي". نُشرت نتائج البحث في "مجلة علم النفس البيئي".

تجربة الفيديو الممل

لمحاكاة الحالة العاطفية التي يختبرها الكثيرون في المستشفيات ودور الرعاية، شاهد 96 متطوعاً فيديو مُصمّماً للتسبب بالملل ومدته 4 دقائق.

يَصِف رجل في هذا الفيلم عمله في شركة لتجهيز المكاتب بطريقة رتيبة، ويشمل الفيديو محادثة مع أحد العملاء ومشهداً يتناول فيه الغداء في مكتبه وسعر أدواته المكتبية.

ثم توزّع المشاركون عشوائياً على واحدة من ثلاث تجارب:

• مشاهدة شِعاب مرجانية استوائية مع أسماك ملونة وسلحفاة على تلفزيون عالي الدقة.

• مشاهدة مشهد للشعاب نفسها عبر سماعة الواقع الافتراضي برؤية 360 درجة من نقطة ثابتة.

• مشاهدة نسخة محوسبة من المشهد نفسه عبر سماعة الواقع الافتراضي تزامناً مع التحرك والتفاعل مع الأسماك والشعاب المرجانية عبر استعمال جهاز تحكّم محمول باليد.

استعملت أول تجربتَين لقطات غير معروضة من المسلسل التلفزيوني الشهير Blue Planet II (الكوكب الأزرق 2) على قناة "بي بي سي". حرص فريق البرنامج على جعل المحتوى البصري والسمعي شبه متطابق في السيناريوات الثلاثة ودام كل واحد منها 5 دقائق. شملت جميع السيناريوات نصاً يقرأه الشخص نفسه على طريقة الأفلام الوثائقية (لم يكن السير ديفيد أتينبارا، الراوي الأصلي في البرنامج). قبل تجربة المشاهدة وبعدها، أجاب المشاركون على أسئلة حول ارتباطهم بالطبيعة ومزاجهم ومستوى مللهم. ثم ذكروا في النهاية إلى أي حد شعروا بأنهم جزء من تلك التجربة. ساهمت التجارب الثلاث في تخفيف مستوى الملل والمزاج السلبي وحسّنت المزاج ودرجة التواصل مع الطبيعة أيضاً.

على مستوى الملل أو المزاج العام، لم تبرز أي منافع إضافية بفضل تجربة الواقع الافتراضي مقارنةً برؤية المشهد نفسه على التلفزيون. لكن برز رابط بين تجربة الواقع الافتراضي التفاعلية وتحسّن المزاج والتواصل مع الطبيعة أكثر من تجربة التلفزيون أو الواقع الافتراضي برؤية 360 درجة. بدا وكأن هذا التحسن ينجم عن شعور المستخدم بأنه جزء من التجربة التي يخوضها.

يخطط فريق البحث اليوم لإجراء تجربة ميدانية عن آثار الطبيعة مع سكان دور الرعاية أو الناس في البيئات الطبية.

دراســــــة مــــــحــــــدودة

لم يصمّم الباحثون هذه الدراسة للتأكد من قدرة الأفلام الوثائقية التي تتمحور حول الطبيعة على تخفيف الملل أكثر من أشكال أخرى من المواد التلفزيونية الترفيهية، مثل الكوميديا أو برامج الألعاب.

يعترف الباحثون أيضاً بأن دراستهم كانت محدودة على بعض المستويات، فقد أنتج الفيديو المضجر (اقتصرت مدته على 4 دقائق) مستويات معتدلة من الملل لدى المشاركين.

كذلك، أصبح مسلسل Blue Planet II على قناة "بي بي سي" البرنامج التلفزيوني الأكثر مشاهدة للعام 2017 في بريطانيا، ما يعني أنه قد لا يعكس بدقة مدى قدرة الفيلم الوثائقي النموذجي على تحسين الحالة النفسية.


MISS 3