لوسي بارسخيان

إنعطافة في الثورة بزحلة تُحاكي مزاج من لا يحبّذ المكبّرات

26 تشرين الأول 2020

02 : 00

تحرّك زحلة

كادت الذكرى السنوية الأولى لإنطلاقة ثورة 17 تشرين الأول تمرّ في زحلة من دون ما يستحضرها، لولا تحرّك يتيم بقي رمزياً لناحية المشاركة الزحلية. لكنّه مع ذلك، إختار الضرب مباشرة على الوتر الأكثر تأثيراً في الزحليين أي، "السلاح غير الشرعي". فطالب المشاركون في التحرّك بإزالة هذا السلاح عبر تطبيق القرار 1559، وحمّلوه مسؤولية حماية الفساد المستشري في لبنان عموماً. لا تُعبّر زحلة عادة عن مزاجها في الشارع. تجربة عام على الثورة أثبتت ذلك بشكل واضح. فلم تنجح كل محاولات إستجرار "الجمهور الصامت" من المنازل، مع أنّ زحلة تتشارك مع كل اللبنانيين في غضبهم على الطبقة السياسية.

يُعيد البعض ذلك الى "دلال" إنمائي في المدينة، جعلها نموذجاً لما يجب أن يكون عليه حال غيرها من المدن اللبنانية، سواء لجهة تأمين تغذية كهربائية 24 ساعة متواصلة، أو لجهة لمّ النفايات ومعالجتها صحّياً، ومعالجة الصرف الصحّي والتخلّص من مشكلة تلوث المياه المستفحلة في معظم قرى البقاع، الى تأمين مياه الشفة بشكل مقبول، وغيرها... وعليه، كان صعباً على الثورة أن تحاكي الزحليين بالعناوين الإنمائية... كما أنّها ظلّت بعيدة طيلة الفترة الماضية عن هاجس الزحليين الأكبر من "السلاح غير الشرعي"، ولم تقاربه إلا من باب الإضاءة على عصابات سرقة السيارات والخطف، والتي تتوجّه أصابع الإتهام بحمايتها الى هذا السلاح.

من هنا، فإن تحرّك يوم السبت أمام سراي زحلة الحكومي، يمكن أن يشكّل إنطلاقة من نقطة إجماع زحلية، تؤسّس لبناء حيثية أكثر حيوية لثورة بقيت هامدة في نفوس الزحليين، حتّى في عزّ إشتعالها.

إلا أنّ هذه المحاولة دونها معوقات أساسية، وأبرزها أنّ زحلة لا تعبّر عادة عن مواقفها السياسية بصخب يشبه ذلك الذي يرتفع في معاقل الأحزاب في باقي المدن اللبنانية، والمسيحية منها تحديداً، خصوصاً وأنّ المدينة التي تتطلّع دائماً الى ما يربطها بالجبل من إنتماء عقائدي، يدها تبقى ممدودة الى السهل لتأمين إستمراريتها الإقتصادية، مع ما يُشكّله هذا السهل من تعدّد في الإنتماءات الطائفية، وبالتالي السياسية. ولعلّ هذا ما يجعل حكمة زحلة بصمتها والذي لا يسقط إلا عند صناديق الإقتراع.

هكذا كان الحال في إنتخابات سنة 2005 التي لحقت مباشرة خروج الجيش السوري من لبنان، حين أمّنت زحلة بتصويتها ضدّ السلاح غير الشرعي أكثرية نيابية مسيحية لـ"التيار الوطني الحرّ". وهكذا فعلت أيضاً سنة 2009، عندما سحبت هذه الثقة من "التيار" إثر ورقة تفاهمه مع "حزب الله"، ووضعتها في مصلحة "القوات اللبنانية". وفي الحالتين، جاء تصويت زحلة "ضدّ السلاح غير الشرعي"، وليس مع أي من الأطراف السياسية المسيحية.

رأت الأحزاب المسيحية بزحلة في المقابل، خزّاناً لقاعدتها الشعبية، ولكنّها لم تنجح في تمدّدها من الجبل بإتجاه المدينة، بنزع الصفة الأبرز المُلازمة لتاريخ زحلة السياسي، أي "مقبرة الأحزاب"، والتي أضيف إليها في السنوات الماضية أيضاً صفة "مقبرة الحكم الوراثي". ما وضع الأحزاب المسيحية في موقع المحاولة الدائمة لمُحاكاة هواجس المدينة وأهلها، وإتباع مزاجها الشعبي، كبوصلة فعلية الى صناديق إقتراعها.

أما صوت الثورة الذي ارتفع من مكبّرات يوم السبت داعياً باقي الثوار الى الإنضمام اليه، فهو يعكس فعلاً مزاج زحلة الرافض للسلاح غير الشرعي. ولكن مجدّداً، زحلة لا تحبّذ التعبير عن مواقفها بالمكبّرات ولا بالتجمّعات على الطرقات. والمشاركة الخجولة جداً للزحليين في هذا التحرّك خير دليل على ذلك، ومع ذلك، فإن الأنظار ستتوجّه مستقبلاً الى مدى جدّية "ثوار زحلة" في طرح هذا التحدّي من خارج أطر المشهدية الحزبية التقليدية في المدينة.


MISS 3