عمر حرفوش

زمرلي والتدمير مرّتين

لم يكن خبر استقالة وائل زمرلي من المجلس البلدي في طرابلس مفاجئاً بالنسبة لي، بل كان مشهداً مكرّراً من مسلسل أعرف بدايته ونهايته جيداً. فالرجل الذي دخل إلى الحياة العامة بانتحاله صفة منقذ للمدينة، خرج منها مجدداً بعدما أسقط أملاً جديداً، كما أسقط قبله مشروعاً حلم به المغتربون لسنوات، مشروع "نحن طرابلس".


كنا نحن، الطرابلسيين المنتشرين في فرنسا، كندا، ألمانيا، أميركا، والخليج وغيرها من دول كوكبنا، نحلم بأن نردّ الجميل لمدينتنا. أسّسنا مشروعاً اسمه "نحن طرابلس" يقوم على استنهاض المدينة اقتصادياً واجتماعياً وبيئياً. اجتمعنا، نظمنا مؤتمرات، أطلقنا نشاطات، وبدأنا العمل الجاد على الأرض، بعد توافدنا بالتاريخ ذاته من كل دول العالم، ووصل عددنا إلى 300 مغترب، لقضاء يومين نتعرف فيهما على بعضنا وعلى احتياجات المدينة ونبني مشروعاً إنقاذياً.

كنا بحاجة لشخصيات موجودة بشكل دائم في طرابلس تتابع التنفيذ، وهنا دخل وائل زمرلي إلى المشهد. في البداية، كان حضوره مفيداً شكلاً. لكنه سرعان ما كشف وجهاً آخر. بدأ تقويض المشروع من الداخل، رويداً رويداً، إلى أن استولى على اجتماعاته، شعاره، وحتى صفحاته على مواقع التواصل وراح يطالب بأن تحوّل المشاريع لحسابه ليتصرف هو بها كما يحلو له. ساهم بخلق انقسام بين المغتربين، وخاض حملات تشويه وابتزاز، ضدي شخصياً، أنا الذي بادرت بـ "نحن طرابلس" وكنت أموّل المشروع على نفقتي الخاصة، وأسهر على تفاصيله.


لم يكن هدفه تطوير طرابلس، كان الهدف إحباط أي مشروع لا يكون فيه المتصدر الوحيد، ولو على أنقاض المدينة العائمة على بحر من الإهمال والفقر والعوز.

وهكذا انتهى الحلم!

واليوم، يعيد وائل الكرّة. بعد أن نجح في الدخول إلى المجلس البلدي في طرابلس عبر الانتخابات البلدية، عاد إلى سلوك الهدم ذاته. عندما لم تُلبَّ مطالبه، وعندما اصطدم برفض شريكه الذي سبقه بالفوز عبد الحميد كريمي منطق الابتزاز، قرر أن ينسحب ويأخذ معه فريقه، مفرّطاً بمجلس بلدي كانت طرابلس تعوّل عليه كثيراً.


استقال وائل زمرلي، لا من مسؤولية بلدية فحسب، بل من مسؤولية أخلاقية تجاه مدينة تتآكلها الأزمات. استقال من أمل الناس، وجرّ معه كل المشروع إلى الوراء، تاركاً فراغاً جديداً، وانتخابات مرتقبة خلال شهرين، لا أحد يعلم إن كانت ستغيّر شيئاً.


وائل زمرلي لم يكن يوماً رجل إنماء. هو، برأيي وتجربتي، عنوان لإفشال كل ما قد ينهض بطرابلس. واليوم، كما بالأمس، تتكرر المأساة، ولكن على نطاق أوسع. طرابلس لا تحتاج إلى من يُدير ظهره لها، بل إلى من يضع مصلحتها فوق كل اعتبار.


شريك في "نداء الوطن"