جاد حداد

Rebecca... نسخة "مُخففة" من الرواية الأصلية

28 تشرين الأول 2020

02 : 00

"لا يمكننا أن نعود مجدداً، هذا أمر مؤكد. الماضي لا يزال قريباً منا. المسائل التي حاولنا نسيانها وتجاوزها ستتأجّج مجدداً. وتلك المشاعر المفعمة بالخوف والاضطراب الخفي والنضال الشاق لكبح الهلع غير المنطقي، وهي مشاعر قد هدأت الآن والحمد لله، قد تتحول على نحو غير متوقع إلى رفيق حي كما كان الوضع سابقاً" – دافني دو مورييه.

هذا هو جوهر كتاب دافني دو مورييه Rebecca الذي لم يُسحَب من النشر يوماً كونه يحاكي جميع الأجيال. اقتُبِست هذه الرواية مراراً في عالم الأفلام والراديو والمسرح وكانت نسخة ألفرد هيتشكوك في العام 1940 الأشهر بينها. أصدرت شبكة "نتفلكس" للتو نسخة جديدة من هذه القصة. الفيلم من إخراج بن ويتلي وسيناريو جاين غولدمان وجو شرابنيل وآنا واترهاوس، وهو يسلّط الضوء على نقاط قوة فيلم هيتشكوك لكنه يكشف في المقابل عن نواقصه على مستوى الأسلوب والأجواء وفهمه العام لجوهر القصة الأصلية.

تبدأ الرواية على شكل حلمٍ يترافق مع العبارة الافتتاحية الشهيرة: "في الليلة الماضية، حلمتُ بأنني عدتُ إلى مزرعة "ماندرلي"". تحتفظ النسخة الجديدة بهذه البنية قبل أن تنتقل إلى "مونتي كارلو" حيث تعيش شابة (ليلي جيمس) معاناة كبيرة تحت سيطرة ربة عملها، وهي متسلقة اجتماعية مريعة اسمها "فان هوبر" (آن دود). تدور الأحداث في العام 1935 ومع ذلك لا أثر للكساد العظيم في أي مكان. إنه عصر الجاز المتلألئ حيث يرتدي الأثرياء أقمشة الكتّان ويتراقصون على وقع موسيقى الجاز في خلفية الأحداث. في صباح أحد الأيام، ينقذ "مكسيم دي وينتر" المرموق (أرمي هامر) بطلة القصة من موقف اجتماعي محرج ويقع أسير سحرها ويدعوها لمرافقته في جولة. في الوقت نفسه، تنتشر شائعة في الأوساط المغلقة مفادها أن "مكسيم" لا يزال حزيناً على وفاة زوجته الحبيبة "ريبيكا". لكنه يعرض الزواج على بطلة القصة بعد علاقة رومانسية سريعة ويصطحبها معه إلى مزرعة "ماندرلي".





حالما تشاهد السيدة "دانفرز" (كريستين سكوت توماس) الزوجة الجديدة، بنظراتها الباردة والقاتمة، تتّضح ملامح الرعب في شخصيتها. وحين تتجول السيدة "دو وينتر" في منزلها الجديد، تلاحظ الحرف "ر" في كل مكان تقريباً وسرعان ما تدرك أن ذكرى الزوجة الراحلة تطارد كل من يقابلها، بما في ذلك نسيب "ريبيكا" (سام رايلي) الذي مُنِع من دخول المنزل لأسباب غامضة. تشعر السيدة "دو وينتر" بالرعب من هذا "الشبح" وتجتاحها مشاعر الغيرة والارتباك والألم بعد تحوّل "مكسيم" من زير نساء رومانسي وممتع إلى رجل قاتم وغاضب ومليء بالأسرار.

تعطي الممثلة ليلي جيمس نفحة منعشة وصادقة للدور الذي تؤديه في النصف الثاني من الفيلم، فتسيطر شخصيتها على الوضع بكل وضوح في هذه المرحلة، لكنها تجد صعوبة في إقناع المشاهدين بأنها ضعيفة ومرعوبة وراضخة خلال النصف الأول من القصة لأنها تبدو صريحة وواثقة من نفسها أكثر من اللزوم.

لا يمكن وضع فيلم Rebecca في خانة الميلودراما الرومانسية التقليدية بكل بساطة. ولا علاقة للموسيقى التصويرية التي تحمل توقيع كلينت مانسيل مع ما يظهر على الشاشة (كانت أعماله السابقة جميلة، لا سيما مؤلفاته في فيلمَي Moon (القمر) وBlack Swan (البجعة السوداء)، لذا يُعتبر هذا الإخفاق استثناءً للقاعدة). حين يفتح "مكسيم" قلبه ويتكلم للمرة الأولى عن ماضيه المأسوي، تُسمَع نغمة ناعمة على البيانو وتصدح ألحان غير متناغمة مع كلامه في خلفية المشهد. تضفي الموسيقى أجواءً بسيطة من الحنين مع نفحة عابرة من الحزن والكآبة. لكن كان يُفترض أن يكون هذا المشهد المحوري مشحوناً ومؤثراً لأقصى الدرجات. يقدم الممثل أرمي هامر أداءً مقنعاً في النصف الأول من الفيلم، حيث يُفترض أن يجسّد دور رجل ساحر وثري ورومانسي، لكن يصبح أداؤه متخبطاً في الجزء الثاني حيث يضطر لمواجهة أهوال الظروف الكامنة وراء وفاة "ريبيكا". من الواضح أن أياً من الممثلين لا يسيطر على دوره بالشكل المطلوب. ما من عوامل كافية للتعبير عن القمع الجماعي والرغبات المكبوتة والعذاب الجنسي والنفسي لدرجة الاقتناع بأن هذه المشاعر قد تقود إلى الجنون. تعكس كريستين سكوت توماس هذا الجانب المضطرب، لكننا نشعر بأنها تمثّل في فيلم مختلف بالكامل.

في مقابلة مع غيليرمو ديل تورو على مسرح مهرجان "إيبرتفيست"، غداة عرض Crimson Peak (القمة القرمزية)، عبّر المخرج عن إحباطه بعد تسويق عمله كفيلم رعب، فقد أدى هذا الخطأ في التصنيف إلى إرباك المشاهدين الذين لم يجدوا أي أجواء مرعبة فيه. كان فيلم Crimson Peak مستوحى جزئياً من رواية Rebecca أيضاً (يدرك كل من يعرف القصة الأصلية التشابه بين العملَين سريعاً). أوضح ديل تورو حينها أن الفيلم ليس مرعباً بل يدخل في خانة "الرومانسية القوطية". لقد كرّر هذا الرأي مراراً وتكراراً وناقش خصائص هذا النوع السينمائي بالتفصيل. لم تعد الرومانسية القوطية رائجة اليوم، حتى أن المشاهدين ما عادوا يعتبرونها فئة بحد ذاتها مع أن أعمالاً شهيرة تنطبق عليها هذه المواصفات، منها Jane Eyre، وWuthering Heights (مرتفعات ويذرينغ)، وPhantom of the Opera (شبح الأوبرا)، وChristabel للشاعر صامويل تايلور كوليردج. وتدخل رواية Rebecca في هذه الخانة طبعاً وتُعتبر من أبرز أعمال الرومانسية القوطية.

تكون العواطف في هذه الفئة من الأعمال جيّاشة ومحتدمة، لكن تبدو النسخة الجديدة من Rebecca "عقلانية" أكثر من اللزوم.


MISS 3