شربل صيّاح

النسر الروماني يحلق في الشرق الأوسط

لم تكن الضربة التي نفذتها إسرائيل مؤخرًا على مواقع داخل إيران سوى فصل جديد من سلسلة طويلة من الضغوط الممنهجة، التي تهدف إلى إضعاف البرنامج النووي الإيراني وإبقائه ضمن حدود السيطرة. هذه السياسة، التي تنسقها تل أبيب وواشنطن منذ سنوات، لم تبدأ أمس، بل تعود إلى عمليات بارزة مثل اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده عام 2020، الذي اعتُبر العقل التقني لمشروع التخصيب الإيراني.


إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في ولايته الحالية، تواصل هذا النهج بشكل مباشر، دون مواربة. فلسفة ترامب في التعامل مع الشرق الأوسط واضحة: السلام لا يُنجز بالترضية، بل يُفرض بالقوة. ومن هذا المنطلق، جاءت الضربة الجوية على المواقع الإيرانية الحساسة كرسالة سياسية بقدر ما هي عملية عسكرية.


لكن ما يجب التوقف عنده هو الربط بين هذه الضربة وما سبقها من قصف استهدف الضاحية الجنوبية في لبنان قبل نحو أسبوع، حيث أعلنت إسرائيل أنها قصفت موقعًا مرتبطًا بتطوير طائرات مسيّرة. رغم الفاصل الزمني، فإن الضربتين تنتميان إلى التكتيك نفسه: ضربات محدودة، دقيقة، ذات رسائل سياسية موجهة إلى الخصوم… وإلى الحلفاء أيضًا.


في الحالة اللبنانية، الرسالة موجهة مباشرة إلى الدولة اللبنانية، لا فقط إلى حزب الله. فالتصريحات الأخيرة للمبعوث الأمريكي السابق ديفيد هيل لم تكن عبثية، حين قال: “لبنان إن لم يكن جاهزًا للسلام، فسيبقى في الخلف. السلام آتٍ لا محالة.” هذه العبارة تصلح لأن تُقرأ كتحذير: إن لم تتحرك الدولة لضبط السلاح غير الشرعي، فقد تجد نفسها خارج معادلة ما بعد التصعيد.


ما يتبلور الآن هو نموذج أمريكي–إسرائيلي لـ”السلام بالقوة”: سلسلة ضربات محسوبة، تنسقها العاصمتان، هدفها ليس الحرب الشاملة، بل إعادة تشكيل موازين القوى، وتقليص نفوذ الأطراف التي تتعامل مع السلاح بوصفه مشروعًا سياسيًا مستقلًا عن الدول.


باختصار، الضربة على إيران ليست معزولة، والضربة على لبنان لم تكن مجرد رد فعل. كلتاهما تنتميان إلى منطق واحد: السلام ليس خيارًا مطروحًا، بل نتيجة يجري فرضها ميدانيًا. ومن لا يتهيأ، قد يُقصى عن الطاولة نهائيًا.


وبين صدى الضربات وصمت العواصم، تعود مقولة فيجيتيوس الروماني لتفرض نفسها من جديد:


“إن أردت السلام… فاستعد للحرب.”