أنطونيو رزق

ميزان المصالح مفتاح المصالحة المحتملة

ترامب وماسك والهدوء بعد العاصفة

اتخذ ترامب وماسك خطوات إيجابية تجاه بعضهما البعض الأسبوع الماضي (رويترز)

بعد الاشتباك العلني العاصف بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأغنى رجل في العالم إيلون ماسك الذي خطف اهتمام الأميركيين، يبدو أن الرجلين، اللذين ساهم تحالفهما بفوز الحزب الجمهوري بالبيت الأبيض ومجلسَي الكونغرس في الانتخابات الأخيرة، على مشارف مصالحة، فقد اتخذا خطوات إيجابية تجاه بعضهما الأسبوع الماضي تشي بأن حسابات ميزان المصالح بدأت تطغى على الخلافات بينهما، إذ بينما يملك كل منهما أوراقاً مؤثرة عديدة ممكن أن يلعبانها لأذية الآخر سياسياً واقتصادياً بفعالية، يدركان بعد التجربة أن تعاونهما في القضايا التي يتفقان عليها يعزز احتمالات تحقيق أهدافهما بشكل كبير.


ساهمت عدة عوامل في التصدّع الذي حلّ بالثنائي ترامب - ماسك، كان أبرزها أن الأخير دخل إدارة ترامب بهدف خفض الإنفاق الحكومي للحد من زيادة الدين العام وقد أسّس جهاز الكفاءة الحكومية الذي ترأسه لعدة أشهر استطاع خلالها أن يوفر على دافعي الضرائب حتى الثالث من الحالي 180 مليار دولار، لذا عندما دعم ترامب مشروع قانون تسوية الموازنة الذي أسماه "القانون الكبير الجميل"، شعر ماسك أن جهوده في جهاز الكفاءة الحكومية ضاعت، إذ رأى أن المشروع سيزيد الدين العام بشكل يجعل من المبالغ التي يوفرها الجهاز غير مؤثرة.


بناء على ذلك، انتقد ماسك عبر منصّته "إكس" وبلهجة حادة مشروع القانون الذي يعتبره ترامب حجر أساس أجندة ولايته الثانية، ما استدعى ردّاً من الأخير، الأمر الذي تصاعد بسرعة حتى وصلت المواجهة إلى حدّ اتهام ماسك ترامب بأنه يمتنع عن كشف ملفات الملياردير المدان باستغلال قاصرات جنسياً والاتجار بهن جيفري إبستين، لأن اسمه ضمنها، كما هدّد بإخراج كبسولة "دراغون" التابعة لشركته "سبيس إكس" عن العمل، فيما تعتمد وكالة "ناسا" على هذه المركبة الفضائية لنقل روّاد الفضاء إلى محطة الفضاء الدولية. من جهته، لوّح ترامب بإلغاء عقود بقيمة مليارات الدولارات تتمتع بها شركات ماسك مع الحكومة الفدرالية.


ولكن، بعد انقشاع غبار المعركة، امتنع الرجلان عن الاستمرار في مسار التصعيد، ثمّ جاءت أعمال الشغب التي اندلعت في لوس أنجليس لعرقلة مداهمات قوى إنفاذ القانون لترحيل مهاجرين غير شرعيين، لتفتح المجال أمام ماسك لترطيب الأجواء وتذكّره بأنه على الرغم من خلافه مع الرئيس حول الإنفاق الحكومي، فإنه يتفق معه على عدة أمور أخرى، كسياسة الهجرة، فدَعَمَ ترامب في مواجهة حاكم كاليفورنيا الديمقراطي غافين نيوسوم إثر نشر ترامب قوات من الحرس الوطني ومشاة البحرية في لوس أنجليس خلافاً لإرادة نيوسوم. بعد ذلك، اعتذر ماسك علناً عن بعض تصريحاته بحق ترامب، بينما أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" بأن اعتذاره جاء إثر اتصال هاتفي جمعه بترامب.


من البديهي أن تكمن مصلحة ماسك في عدم خوض حرب مفتوحة مع أكثر رجل نفوذاً في العالم قد تؤدي إلى تدمير إمبراطوريته في عالم الأعمال، كما أنه من البديهي أن مصلحة ترامب تكمن في عدم استعداء أكبر متبرّع للجمهوريين الذي وعد بتقديم 100 مليون دولار للمجموعات الداعمة لترامب قبل الانتخابات النصفية العام المقبل، فضلاً عن أن غالبية الجمهوريين ينظرون بصورة إيجابية لماسك، الذي يحظى بشعبية أيضاً لدى الكثير من المستقلّين، كما يمتلك القدرة على نشر أفكاره على نطاق واسع عبر منصّة "إكس"، ما يشكّل حافزاً مهمّاً لإدارة ترامب للحفاظ على تحالفها معه قبل الانتخابات النصفية التي يتوقع أن تكون المنافسة خلالها محتدمة.


لا يتساهل ترامب عادة مع منتقديه، خصوصاً أولئك الذين كانوا حلفاءه وانقلبوا عليه، إلّا أنه معروف أيضاً ببراغماتيّته وقدرته على المضي قدماً حينما تقتضي المصلحة ذلك، حيث تجدر الإشارة على سبيل المثال إلى أن نائب ترامب جيه دي فانس كان من أشدّ منتقديه وقد سبق له أن شبّهه بأدولف هتلر، في حين خاض وزير خارجيته ماركو روبيو الانتخابات الرئاسية التمهيدية للعام 2016 ضدّه ووجّه إليه خلالها انتقادات لاذعة واتهامات شخصية.