قد لا يستطيع العهد الجديد ولا حكومته فعل الكثير بشأن سلاح "الحزب"، لكن عليهما على الأقلّ أن يصفا الأشياء كما هي، ويُلقيا المسؤولية حيث يجب أن تُلقى.
فالسلطة الشرعية غير قادرة على إجبار إسرائيل على الانسحاب أو وقف اعتداءاتها. وهي غير قادرة كذلك على نزع سلاح "حزب اللّه" بالقوة، من دون الدخول في أخطار مواجهة أهلية لا تحمد عقباها. ولا يفيد هنا الحديث طويلاً عن تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار والخلاف حول تأويله ومن يخرقه ومن يلتزم به، لأنه من الواضح أن شرط إسرائيل للانسحاب ووقف اعتداءاتها هو عدم السماح للحزب بالتقاط أنفاسه القتالية تمهيداً لنزع سلاحه بالكامل. وفي حال لم يتحقّق هذا الشرط، فإنّ الحرب الإسرائيلية غير المتكافئة مستمرّة بأشكال ومستويات مختلفة.
من جهتها تحاول السلطة اللبنانية إقناع إسرائيل، عبر المجتمع الدولي، بأنها ساعية بجدّ إلى نزع سلاح "الحزب" وأن عدم انسحاب إسرائيل من لبنان يُصعّب هذه المهمّة. لكنّ إسرائيل، ومعها آخرون، غير مقتنعين بأن انسحاب إسرائيل ووقف الاعتداءات سيمكّنان السلطات اللبنانية من نزع سلاح "الحزب". فإن كانت هذه السلطات غير مستعدة أو غير قادرة على مواجهة سلاح "الحزب" وجمهوره قبل انسحاب إسرائيل، فإنها ستكون حتماً أقلّ قدرة على ذلك بعد الانسحاب.
ومن وجهة النظر هذه، فالضغط الحقيقي وربّما الوحيد الذي يتعرّض له "الحزب" اليوم من أجل إقناعه بالتخلّي عن سلاحه هو التهديد الإسرائيلي المستمرّ له ولجمهوره، وبغياب هذا التهديد لا بدّ أن يصبح "الحزب" أكثر إصراراً على السلاح.
كل هذا طبعاً تدركه إسرائيل. خصوصاً أنه ليس في سلوك "الحزب" ولا في أدبيات قادته وخطبهم أية إشارة إلى استعدادهم للتخلّي عن السلاح في حال انسحبت إسرائيل من لبنان. ولا جدوى من القول إنّ نبيه بري كانَ مفوّضاً من "حزب اللّه" حين وقّع اتفاق وقف إطلاق النار الذي يتضمّن نزع السلاح، إذ لم يصدر شيء عن "الحزب" نفسه يعبّر عن هذا التوجّه.
لذا، على السلطة اللبنانية الشرعية، وفي الحدّ الأدنى، أن تبدأ قبل كلّ شيء بمطالبة "حزب اللّه" بالإقرار علناً وعلى لسان أمينه العام بتعهّده بالتخلّي عن السلاح والتحوّل إلى حزب سياسي مقابل انسحاب إسرائيل، وألّا يُشرَط التخلّي عن السلاح بحوار وطني حول استراتيجية دفاعية، لأن من شأن هذا الشرط أن يسقط مفاعيل التعهّد عبر ربطه بخيارات بديلة لا تُعرف ماهيتها أو مُددها الزمنية. وهذا طبعاً لن تقبل به إسرائيل وداعموها.
لا شكّ أنه كان من غير المتوقع أن يستجيب "حزب اللّه" لهذا الطلب قبل الهجوم الإسرائيلي على إيران، ولا نعرف بعد كيف ستكون أحوال "الحزب" بعد المواجهة الدائرة الآن. لكن، وفي كل الأحوال، على العهد وحكومته أن يضعا المسؤولية حيث يجب وضعها، وأن يصارحا اللبنانيين وسواهم بأنهما غير قادرين اليوم بقواهما الذاتية على نزع سلاح "حزب اللّه" من دون استعداد الأخير للتخلّي عنه، وأن يصارحاهم أيضاً بأنه بدون ذلك لن تتمكن السلطات اللبنانية من إقناع إسرائيل أو غيرها بأنها قادرة على حصر السلاح بالدولة.
لذا يجب على العهد وحكومته أن يقولا بكل وضوح إنه ما دام "حزب اللّه" مُصرّاً على التمسّك بالسلاح، فليس أمام لبنان، وخصوصاً "حزب اللّه" وبيئته، إلا العيش تحت وطأة التهديدات والهجمات الإسرائيلية، بلا إعمار ولا من يعمرون.