بشارة جرجس

منشأة فوردو لم تسقط بعد... لكن النظام على حافة الهاوية

صورة من القمر الصناعي تظهر منشأة فوردو النووية في إيران (رويترز)

حتى اللحظة، لا مؤشّر إلى نيّة الطرفين، الإسرائيلي والإيراني، كبح جماح العمليات. فقد هدّد وزير الدفاع الإسرائيلي صراحةً بأن "طهران ستحترق" إذا استمرّ الهجوم على المدن الإسرائيلية، بينما أعلن قادة الحرس الثوري، الذين بقوا على قيد الحياة بعد تصفية إسرائيل للصفّ الأول من قادتهم، أنّهم "جاهزون لجولة طويلة".


في الخلفية، تلوّح الولايات المتحدة بعصاها الغليظة من دون أن تُنزل ضربةً حاسمة: الرئيس دونالد ترامب نشر منظومات دفاع إضافية في الخليج، وساهمت وحدات أميركية فعلياً في إسقاط المسيّرات والصواريخ الإيرانية المتّجهة نحو إسرائيل، لكنّه، في الوقت نفسه، يبعث رسائل متضاربة بشأن رغبته في وقف القتال.


ترى تل أبيب أنّ لحظتها الذهبية قد حانت، فالمضادات الجوية الإيرانية لم تتعافَ بعد من ضربات مركّزة تلقّتها في تشرين الأول الماضي، وحزب الله، الذراع الأقوى لإيران، لا يزال تحت وطأة خسائر فادحة على الجبهة اللبنانية.


وجاء الهجوم الإسرائيلي المعقّد والمدروس، الذي شاركت فيه نحو مئتي طائرة إسرائيلية لقصف مئة هدف، بالتزامن مع عمليات اغتيال نفّذها "الموساد" ضد قيادات في الحرس الثوري وعلماء ذرة بارزين، ليوحي بأنّ إسرائيل لا تهدف إلى تقويض البرنامج النووي فحسب، بل إلى كسر شوكة النظام نفسه، وربما إسقاطه.


ورغم الخسائر الفادحة، فإن البنية النووية الإيرانية الأعمق، وخصوصاً منشأة فوردو المحصّنة تحت الجبال، ما تزال بمنأى عن الدمار الكامل. وما دامت هذه المواقع عصيّة على القنابل غير النووية التي تملكها تل أبيب، يبقى "الخيار الأميركي" أي القاذفات الاستراتيجية القادرة على إسقاط قنابل خارقة للتحصينات، هو السيف المعلّق فوق طهران.



المأزق الأميركي: بين احتراق الشرق وصفقة القرن النووية

منذ عودته إلى البيت الأبيض، كرّر ترامب أنّه يسعى إلى "صفقة أفضل" مع إيران. لكن إسرائيل تميل إلى الحسم العسكري ما لم تُظهر طهران استسلاماً كاملاً. في ضوء الهجمة الحالية، استشعرت القيادة الإيرانية أنّ الأمر تعدّى الملف النووي ليطال بقاء النظام. ورغم قصور قدراتها الاستخبارية والجوية مقارنةً بإسرائيل، اختارت طهران الردّ بأقصى ما تستطيع، مع إبقاء خيار توسيع الاشتباك الإقليمي مطروحاً: ضرب قواعد أميركية في الخليج، استهداف منشآت الطاقة، أو تعطيل الملاحة في مضيق هرمز. بهذا، يراهن نظام الجمهورية الإسلامية على دفع واشنطن للضغط على حليفتها إسرائيل لوقف النار.


بالنسبة لترامب، فإنّ أيّ توسّع في الحرب يُحرجه داخلياً وخارجياً: الناخب الأميركي يريد الابتعاد عن مستنقعات الشرق الأوسط، وأسعار النفط ارتفعت فعلاً بما يثقل كاهل المستهلك الأميركي. لذلك، سيجني الرئيس نقاطاً إذا تمكّن من وقف النزاع أو إسقاط النظام الإيراني بسرعة، ويخسر كثيراً إذا انجرفت الأمور إلى فترة زمنية غير منظورة.


يعوّل ترامب، أو هكذا يبدو، على أن تسبب الضربات الإسرائيلية والإجراءات العقابية مزيداً من الألم لطهران، فتَرضخ لشروط تفكيك برنامجها النووي. غير أنّ التجربة تُظهر أنّ النظام الإيراني لم يقبل يوماً عروضاً "صفرية". العكس هو المرجّح: كلّما اشتدّ القصف، ازداد الدافع إلى امتلاك "الضمانة النووية".


لذلك، إن أراد الرئيس الأميركي إنهاء الأزمة والدفع نحو شرق أوسط جديد، فعليه تغيير المقاربة، ويبدأ بتزويد الجيش الإسرائيلي بالقنابل الاستراتيجية الخارقة للتحصينات، والاستعداد لمساندة أوسع لإسرائيل في حربها ضد النظام الإيراني.


وإن ظلّت الحرب بلا سقف ولا تسوية، فإنّ النظام الإيراني المحاصَر قد يندفع إلى سباق محموم نحو القنبلة، وحينها ستجد واشنطن نفسها أمام خيارين أحلاهما مرّ: القبول بإيران نووية، أو الانخراط في حملة عسكرية مدمّرة إلى جانب حليفها الإسرائيلي. بين هذين الكابوسين، يبدو إسقاط النظام، مهما كانت تداعياته، الخيار الأقل تكلفة والوحيد لتجنيب المنطقة المزيد من التجاذب، يُغرق الشرق الأوسط في سنوات من التوتر والأزمات. لذلك، فإنّه الوقت المناسب لهذه "العملية الجراحية" التي بدأتها إسرائيل، وعلى الولايات المتحدة أن تستكملها.