تشهد كرة السلة اللبنانية في الفترة الأخيرة تحركات لافتة، حيث بدأ عدد من لاعبي الدرجة الأولى بتلقّي عروض للاحتراف في الدوري الياباني، أحد أبرز الدوريات الصاعدة في آسيا. وبين الحلم الفردي للاعبين وتحديات الواقع المحلي، تُطرح تساؤلات عدّة: هل في الرحيل فائدة حقيقية؟ وهل يستطيع الدوري اللبناني تحمّل نزيف نجومه في ظل الأزمة الاقتصادية والاضطرابات السياسية المتواصلة في البلاد؟
كريم عز الدين أول الراحلين
الملف لم يعد مجرّد حديث خلف الكواليس، إذ وقّع النجم اللبناني كريم عز الدين رسميًا في الدوري الياباني، ليكون من أوائل لاعبي الدرجة الأولى في لبنان الذين يخوضون هذه التجربة. ويُعد عز الدين من أبرز الأسماء في السنوات الأخيرة، وغيابه عن الملاعب اللبنانية الموسم المقبل سيشكّل ضربة قوية لمستوى البطولة بشكل عام. هذا التوقيع قد يفتح الباب أمام لاعبين آخرين للسير على نفس النهج.
علي مزهر يلوّح بالرحيل أيضًا
لم يكن كريم عز الدين الاسم الوحيد على رادار الدوري الياباني، إذ تشير المعلومات إلى أن اللاعب علي مزهر قد حصل على كتاب استغنائه رسميًا من نادي بيروت، ويُبدي بدوره رغبة جدّية في خوض تجربة الاحتراف في اليابان. مزهر، المعروف بسرعته وتمريراته الحاسمة، قد يشكّل إضافة قوية لأي نادٍ هناك، كما أن رحيله سيمثل خسارة جديدة للبطولة المحلية إذا ما تمّت الصفقة.
لمحة عن الدوري الياباني
الدوري الياباني لكرة السلة (B.League) بات يُصنَّف كواحد من أكثر الدوريات تطورًا في آسيا، بفضل ما يقدمه من بنية احترافية متكاملة، ومرافق تدريب متقدمة، وجماهيرية واسعة. كما أنه نجح في استقطاب لاعبين من أميركا وأوروبا، وبدأ يلفت أنظار اللاعبين العرب أيضًا.
نقاط قوته تشمل:
* مستوى تنظيمي عالٍ يُضاهي بعض البطولات الأوروبية.
* عقود احترافية واضحة وشاملة من حيث الامتيازات والمكافآت.
* اهتمام إعلامي متزايد وانفتاح تسويقي يعزز من صورة اللاعب خارج الملعب.
* بيئة كروية منضبطة تمنح اللاعب فرصة التركيز الكامل على تطوير مستواه.
الإيجابيات بالنسبة للاعبين:
تجربة احترافية جديدة في بيئة منضبطة ومختلفة على كافة المستويات (إدارية، تدريبية، وجماهيرية).
اكتساب أسلوب لعب جديد، ومواجهة لاعبين من ثقافات ومدارس مختلفة، مما يعزّز النضج الفني والتكتيكي.
تحسين الوضع المالي لبعض اللاعبين، خصوصًا في ظل تدهور الظروف الاقتصادية محليًا.
الابتعاد عن الضغوط اليومية الناتجة عن الأوضاع السياسية غير المستقرة في لبنان، ما يمنح اللاعب بيئة أكثر استقرارًا تساعد على التطور.
الاحتكاك بثقافة جديدة والانفتاح على قيم مثل الانضباط والالتزام والاحترام.
السلبيات بالنسبة للاعبين:
صعوبة التأقلم مع حياة جديدة كليًا (لغة، طعام، ثقافة).
البعد عن الأهل والدائرة الاجتماعية، مما قد يؤثر نفسيًا على بعض اللاعبين.
الضغوط المرتفعة في بيئة احترافية بحتة لا تتسامح مع أي تقصير.
عدم ضمان دقائق لعب كافية في البداية، ما قد ينعكس على المستوى والثقة.
الانعكاسات على الدوري اللبناني:
خسارة المواهب المحليّة، خصوصًا النجوم الذين يصنعون الفارق.
ضعف هوية الفرق المحلية في حال ازداد الاعتماد على اللاعبين الأجانب بدلًا من تطوير العناصر اللبنانية.
انخفاض مستوى المنافسة محليًا في حال رحيل الركائز الأساسية.
فتور الحماس الجماهيري مع غياب اللاعبين المفضلين.
فرصة للوجوه الجديدة
رغم التحديات، قد تمثل هذه الهجرة الاحترافية فرصة ذهبية لبروز أسماء جديدة من اللاعبين الشباب، خصوصًا مع اقتراب اعتماد نظام جديد في الدوري اللبناني، يُسمح بموجبه لكل الفرق بالتعاقد مع ثلاثة أجانب، بالإضافة إلى إلغاء لائحة النخبة، ما يمنح اللاعبين الصاعدين فرصة أكبر للمشاركة وتحمل المسؤولية داخل أرض الملعب.
دفعة محتملة للمنتخب اللبناني
بعيدًا عن الانعكاسات المحلية، يمكن أن تعود تجربة الاحتراف في الخارج بالفائدة الكبرى على المنتخب اللبناني. فاللعب في دوريات مثل الياباني يُكسب اللاعبين مهارات جديدة، ويعرّفهم على مدارس تدريبية مختلفة، ويعزّز من وعيهم التكتيكي. كلما زاد عدد اللاعبين المنخرطين في بطولات احترافية خارجية، ازداد تنوّع الخبرات داخل المنتخب، ما يرفع من مستواه الفني ويجعله أكثر قدرة على المنافسة القارية والدولية.
الاحتراف الخارجي ليس خسارة بحد ذاته، بل هو امتداد طبيعي لمسار تطوّر اللاعب اللبناني. وإذا ما تم التعامل معه برؤية وطنية متكاملة من قبل الاتحاد والأندية، يمكن تحويله إلى مكسب حقيقي للمنتخب، ورافعة لكرة السلة اللبنانية على المدى البعيد. المطلوب اليوم ليس منع الهجرة، بل تنظيمها، وتعويضها من خلال ضخّ دماء شابة، وتطوير بنية تحتية تسمح بخلق جيل قادر على الاستمرار رغم التحديات السياسية والاقتصادية.