مروان الأمين

"مجد" نتنياهو يمرّ في طهران

في اللحظة التي قرّرت فيها القيادة الإسرائيلية القيام بحرب عسكرية ضد إيران، بدا واضحًا أن لهذه الحرب سقفين استراتيجيين: الحد الأدنى يتمثل في تدمير المشروع النووي الإيراني، بينما يتمثل الحد الأقصى في الإطاحة بنظام الملالي.


إن مثل هذا القرار لا يمكن أن يُتخذ من جانب إسرائيل من دون ضوء أخضر أميركي. ويعزز هذا الاعتقاد موعد انطلاق الحرب بعد يومٍ واحد فقط من انقضاء مهلة الستين يومًا التي حدّدها ترامب للإيرانيين للوصول إلى اتفاق نووي. ما يشير إلى ارتباط وثيق بين التصعيد العسكري والأجندة "الترامبية"، سواء اعترفت واشنطن بذلك أم لا.


تحييد الإدارة الأميركية نفسها عن الدخول المباشر في الحرب قد يكون جزءًا من استراتيجية مدروسة تقوم على الجمع بين الضغط والاحتواء، أو ما يُعرف بسياسة "العصا والجزرة". فقد منحت إدارة ترامب إسرائيل هامش التحرك العسكري أي "العصا"، بينما احتفظت لنفسها بخيار التفاوض والدبلوماسية أي "الجزرة".


وهذا ما يُفسر السلوك الأميركي خلال الأيام الأولى من الحرب، إذ ركزت التصريحات الأميركية على دعوة إيران إلى الإسراع في قبول تسوية نووية تقضي بنقل اليورانيوم المخصب إلى الخارج، مع طرح روسيا كإحدى الجهات لنقله إليها. وربما في هذا الإطار جاء الاتصال الذي أجراه الرئيس ترامب مع الرئيس بوتين، وما خرج إلى العلن من أن بوتين نقل رسالة أميركية واضحة للإيرانيّين، مختصرها: القبول بالاتفاق أو مصير النظام سيكون على المحك.


كل يوم تتأخر فيه إيران عن التفاعل الإيجابي مع هذا العرض، يقرّب واشنطن أكثر من التخلي عن "الجزرة" واللجوء إلى "العصا"، و"العصا" الأميركية غليظة. عندها، تكون المرحلة الأولى من الحرب قد سقطت، وانتقلت إلى المرحلة الثانية، بحيث لن يكون الحديث عن إنهاء مشروع النووي فقط، بل عن مصير النظام الإيراني برمّته.


من الواضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يطمح إلى تجاوز حدود إنهاء المشروع النووي، وصولًا إلى الهدف الأكبر: إسقاط النظام الإيراني. وقد نضج هذا الخيار في العقل الجماعي السياسي والعسكري الإسرائيلي بشكلٍ كاملٍ بعد عملية 7 أكتوبر. حتى أشد المعارضين لنتنياهو يقفون خلفه في هذه الحرب. مع التأكيد أن إسرائيل مدركة تماماً أن الكلمة الأخيرة في قرار إسقاط النظام تعود لواشنطن وحدها.


يرى نتنياهو أنه أمام فرصة تاريخية نادرة لتحقيق إنجاز استراتيجي يتمثل في الإطاحة بالنظام في طهران، بعد أن تمكن من قطع أذرعه وتحجيم نفوذه في كل من غزة ولبنان. وهو يرى أن إسقاط النظام الإيراني سيكون بمثابة نقطة تحول مفصلية لإسرائيل، إذ من شأنه أن يُخرجها من حالة الحرب الدائمة التي رافقتها منذ تأسيسها، إلى مرحلة جديدة عنوانها "السلام الدائم".


فالمواجهة الحالية تحمل في طياتها أبعادًا استراتيجية تتجاوز سياسة الإحتواء والردع التي سادت عقودًا، وتمضي نحو إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية وإعادة تعريف النظام الإقليمي نفسه. إن الشرق الأوسط يشهد لحظة مفصلية ستعيد رسم ملامحه، كما ستعيد صياغة العلاقات بين دوله وشعوبه بشكل مختلف تمامًا عمّا عرفناه منذ عام 1948.


وبالنسبة لنتنياهو، لا يقتصر الأمر على تحقيق أهداف استراتيجية، بل هي أيضًا فرصة لصناعة مجد شخصي. إذ يطمح إلى تخليد اسمه في الذاكرة السياسية الإسرائيلية، وأن يضع نفسه في مصاف الشخصيات الاستثنائية في تاريخ إسرائيل، إلى جانب مؤسسيها وقادتها الكبار. وقد قطع شوطًا كبيرًا في هذا المضمار.