نظّمت "مصلحة الشؤون الثقافية والفنون الجميلة" في "المديرية العامة للتربية"، يوم الأربعاء الماضي، الحفل الختامي لإعلان نتائج الموسم التاسع من "تحدّي القراءة العربي في لبنان" الذي رعته وحضرته وزيرة التربية والتعليم العالي الدكتورة ريما كرامي، وأقيم في "مركز التّدريب والمؤتمرات" التّابع لـ "الإدارة العامّة للطّيران المدني" في "مطار رفيق الحريري الدولي – بيروت". ومرّة جديدة شارك لبنان في هذه المسابقة الثقافيّة التي توليها دولة الإمارات العربية المتحدة اهتماماً بالغاً.
إسهاماً في نشر ثقافة القراءة في العالم العربي، أُطلقت عام 2015 مبادرة "تحدّي القراءة العربي"، برعاية الشّيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات ورئيس مجلس الوزراء وحاكم دُبي. وتُعدّ اليوم هذه المبادرة أكبر منصّة إقليميّة تهدف إلى ترسيخ حبّ المطالعة بين التّلامذة، وتعزيز مهاراتهم اللّغويّة والفكريّة.
يستهدف هذا التّحدي الثقافي، الطّلاب من الصّف الأوّل الإبتدائي وحتّى الصّف الثاني عشر (الثالث الثانوي)، حيث يُطلب من كل مشارك قراءة وتلخيص خمسين كتابًا خارج المنهج الدراسي خلال العام. وتُقيَّم هذه المشاركات وفق معايير دقيقة تشمل الفهم، التّحليل، التّفكير النّقدي، والطّلاقة في التعبير، ما يساهم في تنمية شخصيّات الطّلبة على المستويات كافة.
وقد نجح "تحدّي القراءة العربي" خلال مواسمه السّابقة، في استقطاب ملايين الطّلاب من مختلف الدّول العربية، كما توسّع ليشمل مشاركات من الجاليات العربية في أوروبا وآسيا والأميركيّتين، ليؤكد مجدّدًا التزام دولة الإمارات برعاية الثّقافة والمعرفة، وتعزيز حضور اللّغة العربية عالميًّا.
مسار المشاركة
في لبنان، تشهد كلّ سنة دراسية انخراطًا متزايدًا في هذا التّحدي الثقافي، حيث أشارت رئيسة "مصلحة الشّؤون الثّقافية" في وزارة التّربية والتّعليم العالي صونيا الخوري، في حديث لـ "نداء الوطن" إلى أنّ التّحدي يُنفّذ عبر مراحل تدريجية تبدأ من المدارس نفسها. ففي المرحلة الأولى، تنظّم كلّ مدرسة تصفيات داخلية تفرز من خلالها عددًا من الطّلاب من كلّ حلقة دراسيّة أتمّوا قراءة الخمسين كتابًا، بنجاح. بعدها، ينتقل هؤلاء إلى التّصفيات على مستوى الإدارات التّعليميّة أو المناطق التربويّة، التي تُشرف عليها لجان تربويّة مختصّة في اللّغة العربيّة. وتختار هذه اللّجان عددًا من الطلّاب من كل منطقة، استنادًا إلى معايير شاملة تتناول مدى استيعابهم المادة المقروءة، قدرتهم على المناقشة، مدى تفاعلهم مع النّصوص، إضافة إلى مهارات الإلقاء والثّقة بالنّفس.
في المرحلة اللّاحقة، تُجمّع النتائج وتُرفع إلى وزارة التّربية، الّتي تتولّى اختيار أفضل خمسين تلميذًا على المستوى الوطني. ومن بين هؤلاء، تُجري لجنة من إمارة دبي، تمثّل إدارة "تحدّي القراءة العربي"، مقابلات تقييم نهائيّة تُحدّد بنتيجتها لائحة الأوائل الذين سيمثّلون لبنان (وعددهم 10) في التصفيات النهائية في دبي، ومن بينهم "بطل لبنان".
أما الفائزان بالمرتبة الأولى، من هذه الفئة وفئة "ذوي الهمم"، فسينافسان لاحقًا على لقب "بطل تحدي القراءة العربي" مع نظرائهما من الدول العربية.
تكريم المشاركين اللبنانيين
الاحتفال الذي أقيم يوم الأربعاء في بيروت، وحضره الدّكتور فوزان الخالدي، مدير إدارة البرامج والمبادرات في "مؤسّسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم"، قدّمه الإعلامي ماجد بو هدير، واستُهل بالنّشيدين الوطنيّين اللّبناني والإماراتي، تلاه عرض موسيقي مميّز لـ "Gemz Academy Choir" بقيادة الدكتور إبراهيم بلطه جي، قدّم مجموعة من الأغنيات اللّبنانية الّتي أضفت طابعًا وجدانيًّا على الأجواء، بالإضافة لعرض تقارير مصوّرة عن المشاركين ولوحات فنّية وموسيقية من "مدرستَي "أمجاد" و "القلبين الأقدسين" في عين نجم.
ثم أُعلن عن تتويج الطّالب عبد الرزاق الأسمر من "ثانوية المناهج" – الشّمال، بلقب "بطل تحدّي القراءة العربي" على مستوى لبنان لعام 2025، متقدّمًا على آلاف المشاركين من مختلف المناطق. وفي لفتةٍ رمزيّة تعبّر عن استمرارية مسيرة التّميز، سلّم الطّالب عمر الشموري، "بطل التحدّي" في الموسم السابق، الدرع إلى الفائز الجديد.
وجاءت المرتبة الثانية من نصيب الطالبة مانيسا بلال أبو محمود من "ثانويّة المنارة الرّسمية" – البقاع، فيما نالت الطّالبة زهرة وهبة نحولي من "ثانوية السّفير" – الجنوب، المرتبة الثالثة.
أما عن "فئة ذوي الهمم"، فقد حصل التّلميذ ذو الفقار علي صبرة من "ثانوية الرّحمة" – النبطية على لقب "بطل التحدّي" لهذه الفئة، وتسلّم درعه التّكريمية من ممثل وزير الإعلام، المدير العام لوزارة الإعلام حسن فلحة.
وإلى تكريم الطلاب، مُنح خلال الحفل لقب "أفضل مدرسة" لمؤسسة تعليمية أظهرت تميّزًا في تفعيل المبادرة على المستوى الداخلي، وقُدّمت تقارير موثّقة عن الأنشطة الصفّية والمبادرات القرائية التي نفذها طلابها. كما عُرضت هذه التقارير في الحفل كنماذج ناجحة تحتذي بها المؤسسات الأخرى. وتقديرًا لدورهم الأساسي، جرى أيضاً تكريم عدد من المشرفين التربويين الذين لعبوا دورًا محوريًا في تشجيع الطلاب على المطالعة، وتأمين الدعم والتوجيه خلال مراحل التحدي كافة.
يشكّل هذا الحفل إذاً، محطّة تتويج لمسار طويل من التّفاعل مع مبادرة "تحدّي القراءة العربي" منذ إنطلاقتها. ففي الموسم الثّامن (2023/2024) على سبيل المثال، شارك أكثر من 29,676 طالبًا وطالبة من 324 مدرسة رسمية وخاصة، بإشراف 1,014 مشرفًا ومشرفة، ليستمر هذا "التحدّي" مبادرة تتجاوز إطار المنافسة، تكرّس فعل القراءة كعادةٍ يوميّة، ومصدر إلهامٍ للأجيال الصّاعدة نحو مستقبل أكثر وعيًا ومعرفة.