تعلن المواجهة العسكرية المباشرة بين إسرائيل وإيران، وتدخل الولايات المتحدة الحاسم فجر يوم أمس، نهاية مشروع إيران في المنطقة، حتى وإن بقي نظامها الحالي على قيد الحياة بشكل من الأشكال.
فالمشروع الإيراني ولد مع ثورتها وسعى إلى مد نفوذ نظامها في الجوار منذ اللحظة الأولى: اولًا عبر تبني خطاب تحرير فلسطين ومواجهة "قوى الاستكبار" بشياطينها الكبيرة والصغيرة، وثانيًا عبر إزكاء عصبية شيعية أمّنت نواة وحاضنة لأذرع عسكرية مطواعة، والاتكاء عليها.
فهذا المشروع لم ينجح في دحر قوى الاستكبار أو في تحرير شبر من تراب فلسطين، إلا أنه نجح فعلًا في بسط النفوذ الإيراني في لبنان والعراق وسوريا واليمن. وهكذا ذاق سكان هذه "الساحات"، كما يحلو للممانعين أن يسمّوا الأوطان، نِعم العيش في زمن المد الإيراني. وكان أكبر تلك النعم وأكثرها بلاءً ما حلّ بالشعب السوري.
ثم جاء "الطوفان"… فجرف معه كل هذه "الإنجازات" الرثة التي استهلكت شعوبًا وأزمنة. والآن نجد "الطوفان" يهدّد بجرف أصحاب تلك "الانجازات" أنفسهم.
والفرحون بذلك كثيرون، يترقبون هزيمة إيران في حربها مع اسرائيل بفارغ الصبر. في مقدمهم طبعًا غالبية سنّية سورية، وكذلك قسم كبير من مسيحيي لبنان، وجزء لا يستهان به من سنّته. وأظن أن شيئًا من هذا القبيل ينطبق على كُرد العراق وسُنته، ويسري أيضاً على شرائح واسعة من اليمنيين. فكل هؤلاء عانوا أو تضرروا بشكل مباشر من المد الإيراني، وذلك أكثر بكثير مما عانوا من إسرائيل أو تضرروا منها. لا بل إن جزءًا منهم استفاد بشكل أساسي من الهزيمة التي ألحقتها اسرائيل حتى الآن بأذرع إيران.
وليس غريبًا أن يكون أكثر الفرحين اليوم بالهجوم الإسرائيلي على إيران هم ملايين السوريين من ضحايا نظام الأسد البائد، هم الذين يربطهم حساب طويل مع النظام الإيراني الذي دعم الأسد حتى آخر رمق سوري. فهؤلاء يريدون أن يُهزم النظام الإيراني ولو على يد إسرائيل بالرغم مما فعلته الأخيرة في غزة. فهم لم تسحقهم البراميل الإسرائيلية ولا عُذبوا حتى الموت في سجونها ولا شردوا في أصقاع الأرض بسببها، بل إن من فعل بهم كل ذلك هو نظام الأسد وميليشيات إيران التي هرعت لنصرته والمستعدة، متى تسنى لها ذلك، للتنكيل بهم مجددًا من أجل جلبهم مرة أخرى للحظيرة الإيرانية.
وتنطوي مطالبة السوريين بغض النظر عن كل هذا واتخاذ موقف مختلف أو حتى محايد من الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران، على معاملة الألم السوري بوصفه مسألة ثانوية قياساً بالألم الفلسطيني، كما تتطلب كمية من العناد أو العمى الأيديولوجي الذي لا يتوفر إلا عند جزء من النخب اليسارية والقومية العاجزة عن رؤية الأشياء كما هي، أو المهووسة بالحفاظ على موقعها الجذاب في التحالف العالمي ضد الاستعمار والإمبريالية.
وتجنبًا للظهور بمظهر من يؤيد إسرائيل، لما في ذلك من كسر لمحرّم سياسي واجتماعي راسخ، يلجأ البعض إلى تبني حياد زائف عبر شعارات مثل "اللهم أضرب الظالمين بالظالمين". لكن الواقع هو أنه لو تسنى لضحايا إيران في المنطقة أن يختاروا منتصرًا في المواجهة بين اإسرائيل وإيران، فهم حتما لن يختاروا إيران.