واشنطن - في تصعيدٍ حاد للتوترات العسكرية في الشرق الأوسط، أذن الرئيس ترامب بعملية "مطرقة منتصف الليل" التي استهدفت منشآت نووية إيرانية رئيسية، هي نطنز وفوردو وأصفهان، ما أثار مخاوف من ردّ انتقاميّ كبير من إيران. وتأتي هذه الضربات وسط مخاوف متزايدة من أن تصبح طموحات إيران النووية واقعًا ملموسًا، وسط مخاوف من أن يستهدف الردّ الانتقامي الإيراني الأصول العسكرية الأميركية في المنطقة.
ويلفت الخبراء بقلق بالغ إلى قدرة إيران على إغلاق مضيق هرمز، وهو ممرّ استراتيجي يمر عبره حوالى 20 في المئة من إمدادات النفط العالمية. إذا نفذت طهران هذا التهديد، فسيؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار الاقتصاد العالمي. إلا أن فرزين نديمي، كبير الباحثين في "معهد واشنطن"، استبعد أن تلجأ إيران إلى إغلاق المضيق رغم موافقة البرلمان الإيراني على ذلك، من دون أن يترك فرضية أن تلجأ طهران إلى إحداث بعض الاضطرابات في حركة الشحن في المضيق. وقال لـ "نداء الوطن": "فقط المجلس الأعلى للأمن القومي يقرّر هكذا خطوة. أمّا بالنسبة إلى البرلمان فتحرّكه هو لامتصاص الغضب الداخلي".
وعقب الغارات الجوية، لفت نديمي إلى أنه من السابق لأوانه تقييم الأثر الكامل للغارات الجوية الأميركية، غير أنه من المؤكد أن الهجوم الأخير قد أعاق البرنامج النووي الإيراني بشكل كبير وأعاده إلى الوراء لعدة سنوات. وقال إن "قدرة إيران على إلحاق الضرر بإسرائيل أو بالمصالح الأميركية آخذة في التضاؤل، إلا أنها لا تزال قائمة".
والسؤال المطروح الآن: هل ستتواصل العمليات الجوية ضد إيران؟ يشير نديمي إلى أن جزءًا من رد الفعل الإيراني سيكون زيادة وتيرة وكثافة الضربات ضد إسرائيل، من دون ان يستبعد أن تستهدف طهران "بعض المناطق الخالية في قاعدة العديد، على سبيل المثال"، لكن اعتبر نديمي "أن الجيش الإسرائيلي لا يزال لديه العديد من الأهداف، بما في ذلك منصات إطلاق الصواريخ، إلّا أن أهم الأهداف ربما تكون قد تحققت بالفعل".
وأشار نديمي إلى بُعد حاسم آخر يتعلّق بمخزونات إيران من اليورانيوم المخصّب، محذرًا من أن كمياتٍ كبيرة من اليورانيوم قد تكون نُقلت إلى منشآتٍ غير مُعلنة، ربّما تتجاوز قدرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية على الرصد. لذا شدد على أن "قصف المواقع ليس الإجراء النهائي ضد إيران. الهدف النهائي من المهمة هو تدمير برنامج التخصيب النووي الإيراني تدميرًا كاملًا". وأضاف أن القدرات الصاروخية الإيرانية لا تقل أهمية عن المشروع النووي، "لأنها نظام توصيل القنبلة"، لافتًا إلى أن تجاهل ذلك يعتبر خطأً فادحًا.
ويعتقد الكثير من الخبراء أن الإيرانيين سيبذلون قصارى جهدهم لإنجاز قنبلة نووية. في هذا الإطار، قال نديمي: "لا يزال لديهم العديد من الباحثين والمهندسين على قيد الحياة. وبرأيي سيتجهون نحو ذلك". غير أن نديمي أوضح أن الإيرانيين "سيحتاجون إلى فترة من إعادة هيكلة شاملة، وإعادة تنظيم، وتطهير صفوفهم من أي شخصيات يُشتبه في أنهم عملاء إسرائيليون، وهم كثر". وقال إن "إيران ستتجه إلى إنشاء موقع سري للغاية محصّن يضمّ المشروع بأكمله بإشراف فريق عمل صغير لتفادي الخرق".
في حين يُراقب العالم الوضع المُتكشف عمّا وُصف في واشنطن بـ "الليلة التاريخية"، يُلقي التاريخ بثقله على الإدارة الأميركية الحالية. فقد واجه أربعة رؤساء أميركيين معضلة التعامل مع التهديد النووي الإيراني، غير أن الرئيس ترامب الوحيد من بين هؤلاء الرؤساء الذي قرّر اتخاذ إجراء عسكري، وسيكون هذا بالتأكيد جزءًا رئيسيًا من إرثه السياسي، بحسب المحلّلين. ولكن في لعبة الشطرنج الجيوسياسية المعقدة، سيواجه ترامب تحدي الموازنة بين مخاوفه من الانجرار إلى صراع آخر في الشرق الأوسط، ورغبته في منع إيران من امتلاك سلاح نووي. وفي انتظار رد إيران على الضربات، يشير العديد من الدبلوماسيين الأميركيين إلى أن أبرز التحديات الآن تكمن في إقناع إيران بالعودة إلى المفاوضات وموافقتها على القيود والالتزام بها.