بعدما عمّت تظاهرات أحياء ذات غالبية مسيحية في دمشق ليل الإثنين - الثلثاء استنكارًا للهجوم الإرهابي الحاقد الذي استهدف كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة في العاصمة الأحد الماضي، وللمطالبة باتخاذ إجراءات جدية لمحاسبة المرتكبين ومنع حدوث مثل هذا الهجوم من جديد، أقيمت في كنيسة الصليب المقدس في دمشق أمس مراسم تشييع تسعة من جثامين ضحايا التفجير، حيث ترأس المراسم بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي.
وتخلّل المراسم إقامة صلاة الجناز على أرواح الضحايا بحضور عدد من أصحاب الغبطة والنيافة، إضافة إلى حشود غفيرة من المسيحيين. وبعد الصلاة نُقلت الجثامين التسعة إلى المدفن حيث ووريت الثرى، بينما دُفنت جثامين باقي الضحايا في مدنهم وقراهم.
وحمّل يازجي الحكومة السورية كامل المسؤولية عن التفجير الإرهابي، موضحًا أن ما يطلبه الشعب السوري هو الأمن والأمان والسلام وأنه يتوجّب على الحكومة تأمين الحماية للمواطنين السوريين من دون استثناء أو تمييز على سائر الأراضي السورية. وتوجّه إلى الرئيس السوري أحمد الشرع بالقول: "نحن سيادة الرئيس قد هنأناكم بالثورة وعندما صرتم رئيسًا للبلاد قمنا بكل ما يجب أن نقوم به، لأننا أبناء هذه البلاد وقمنا بمد أيدينا إليكم لبناء سوريا الجديدة وما زلنا ننتظر أن تُمدّ يد إلينا"، مضيفًا أنه "بكلّ محبة، وبكلّ احترام وتقدير سيادة الرئيس، تكلّمتم البارحة هاتفيًا... لتنقلوا لنا عزاءكم. لا يكفينا هذا"، وسط تصفيق من الحضور. وأكد أن المسيحيين ممتنون لاتصال الرئيس الهاتفي لكن الجريمة التي وقعت أكبر من ذلك.
في الغضون، تبنى تنظيم "سرايا أنصار السنة" في بيان أمس المسؤولية عن الهجوم، كاشفًا اسم منفّذ العملية، المدعو محمد زين العابدين. وأوضح أن الهجوم جاء "ردًا على استفزازات طالت الدعوة وأتباع الملة من قبل نصارى دمشق"، في إشارة إلى حادثة سابقة شهدها الحي ذاته إثر إشكال وقع مع إحدى السيارات "الدعوية". وهدّد بتنفيذ مزيد من الهجمات الانتحارية، متعهّدًا بـ "فتح باب التوبة لمَن يبادر قبل فوات الأوان"، في حين كانت السلطات السورية قد اتهمت تنظيم "داعش" الإرهابي بتنفيذ الهجوم، مشيرة إلى أنها اعتقلت الإثنين المسؤول عن العملية وعددًا من أفراد خلية إرهابية منتسبة لـ "داعش" كانت تخطط للهجوم منذ مدة.
في السياق، ذكر المتحدّث باسم الداخلية السورية نور الدين البابا خلال مؤتمر صحافي أمس أنه بالتحقيق مع أحد الإرهابيين الذين أُلقي القبض عليهم اعترف بأماكن أوكار الخلية جميعها، حيث تمت مداهمتها وإلقاء القبض على جميع أفرادها ومصادرة الأسلحة والمتفجّرات، موضحًا أن الخلية يتزعّمها السوري محمد عبد الإله الجميلي ويكنى "أبو عماد الجميلي"، وهو من سكان منطقة الحجر الأسود في دمشق، وكان يعرف بـ "والي الصحراء" عند "داعش". وقال: "أمّا الانتحاريان، فالأوّل الذي نفذ تفجير الكنيسة الغادر، والثاني الذي ألقي القبض عليه وهو في طريقه لتنفيذ تفجير انتحاري في مقام السيدة زينب في ريف دمشق"، مشيرًا إلى أنهما "قدما إلى دمشق من مخيّم الهول، عبر البادية السورية، وتسلّلا بعد تحرير العاصمة، بمساعدة المدعو "أبي عماد الجميلي"، مستغلّين حالة الفراغ الأمني بداية التحرير، وهما غير سوريين". ولفت إلى أن "داعش" تنظيم عابر للحدود، وسوريا تتعاون مع دول الجوار لمحاربته.
لكن "المرصد السوري" كان قد كشف في وقت سابق أن أحد المشاركين في تنفيذ تفجير الكنيسة كان من بين المصابين الذين نُقلوا إلى "مستشفى المجتهد"، ليتبيّن لاحقًا أنه منتسب إلى وزارة الدفاع السورية ومن أبناء محافظة دير الزور. وبعد التعرّف إلى هويته، نفذت الأجهزة الأمنية حملة مداهمات في ريف دمشق، أسفرت عن اعتقال أربعة أشخاص في بلدة زملكا في الغوطة الشرقية، في وقت تتواصل فيه التحقيقات وسط معلومات تشير إلى تورّط عناصر من جهاز الأمن العام في التخطيط أو تسهيل تنفيذ الهجوم.
دوليًا، أعرب البابا لاوون الـ 14 في برقية حملت توقيع أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين عن "الحزن العميق الذي ألمّ به لدى تلقيه نبأ الاعتداء الذي أسفر عن سقوط العديد من الضحايا" في صفوف المصلّين داخل كنيسة مار إلياس. وعبّر البابا "عن تضامنه القلبي مع جميع الأشخاص الذين تضرّروا من جرّاء هذه المأساة". وأعرب الفاتيكان عن مخاوفه من احتمال حدوث هجرة جديدة للمسيحيين من الشرق الأوسط في أعقاب هذا الهجوم.
وكانت الخارجية السورية قد أعربت عن بالغ شكرها وتقديرها لكل الدول الشقيقة والصديقة والمنظمات الدولية، التي سارعت إلى التعبير عن تعازيها الصادقة ومواساتها الأخوية لسوريا بعد الهجوم الإرهابي الجبان الذي استهدف كنيسة مار إلياس، مؤكدة أن مثل هذه الأعمال الإجرامية لن تثني سوريا عن المضي قدمًا في الدفاع عن وحدة أراضيها وأمن شعبها، وملاحقة كل من يقف وراء هذه الأعمال الجبانة.
إلى ذلك، ألقت قيادة الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية القبض على "اللواء المجرم موفق نظير حيدر، قائد الفرقة الثالثة دبابات في جيش النظام البائِد، والمسؤول عن حاجز القطيفة المعروف لجميع السوريين بـ"حاجز الموت"، بالإضافة إلى تورّطه في ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات صارخة بحق المدنيين، وقد تقرّر تحويله إلى إدارة مكافحة الإرهاب للتحقيق، تمهيدًا لعرضه على القضاء المختص"، حسب وكالة "سانا"، التي أوضحت من جهة أخرى أن الانفجار الذي سُمع بمحيط العاصمة ناتج عن تفجير مخلّفات حرب من قِبل الجهات المختصّة.
على صعيد آخر، نقلت صحيفة "إسرائيل هيوم" عن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي أن "هناك حوارًا مباشرًا ويوميًّا وعلى كلّ المستويات بين إسرائيل والنظام السوري، وأنا أقود الحوار"، معتبرًا أن "سوريا ولبنان مرشحان للانضمام" إلى "اتفاقات أبراهام".