في تاريخ الأزمات اللبنانية محطات مفصلية يُقرع فيها جرس الإنذار، وتتقدّم ساعة الحقيقة لتفرض ذاتها على الجميع، اليوم يعيش لبنان إحدى تلك اللحظات الحاسمة: فلا مجال بعد الآن للمناورة أو التأجيل في ملف سلاح الميليشيات خارج شرعية الدولة. عقودٌ مرت تكدّست فيها الأسلحة في مستودعات حزب الله وآن الأوان لتُحسم هذه القضية جذرياً، حفاظاً على ما تبقّى من دولة تترنح على حافة الهاوية.
مع انتهاء الحرب في لبنان عام 1990، نصّ اتفاق الطائف على حلّ جميع الميليشيات وتسليم أسلحتها لقيام دولة تحتكر قرار الحرب والسلم. وقد قدمت القوات اللبنانية آنذاك نموذجاً مسؤولاً في التجاوب مع لحظة التحوّل التاريخية، فبادرت إلى إلقاء سلاحها بين عامي 1990 و1991 وانخرطت في العمل السياسي، إيماناً بأن لبنان لا يُبنى إلا باحتكار الدولة وحدها للسلاح. كانت خطوة جريئة في ظرف حساس، واجهتها آلة الوصاية السورية بحل الحزب وملاحقة قياداته وسَجن زعيمه سمير جعجع.
لكن تلك الخطوة بقيت منقوصة، فميليشيا واحدة استثناها الواقع الجديد من التسليم: حزب الله - بحجة "مقاومة الاحتلال الإسرائيلي" آنذاك، وبفضل غطاء وفّره نظام الأسد في سوريا ودعم إيراني، احتفظ الحزب بسلاحه وكرّس وجوده العسكري خارج نطاق الدولة، ضارباً عرض الحائط بجوهر اتفاق الطائف. هكذا دخل لبنان حقبة ما بعد الحرب الأهلية، وفيه جيش تابع للدولة وجيش آخر غير معلن تابع لحزب عقائدي، لتبقى معضلة ازدواجية السلاح قنبلة موقوتة تهدد الاستقرار وأمن اللبنانيين.
وقد حاول المجتمع الدولي لاحقاً تدارك الأمر عبر قرارات أممية، القرار 1559 (عام 2004) الذي طالب بحلّ جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها، ثم القرار 1701 (عام 2006) بعد حرب تموز، والذي شدّد على خلوّ جنوب لبنان من أي سلاح خارج سلطة الدولة. إلا أن هذه القرارات ظلت بلا تنفيذ فعلي على الأرض، في ظل رفض حزب الله القاطع للتخلي عن سلاحه واعتباره “غير قابل للمساومة أو المقارنة". وهكذا استمر وضع الأمر الواقع، لفائض القوة العسكرية ليشكل عبئاً ثقيلاً على كاهل الدولة اللبنانية لعقود.
جاءت حرب غزة 2023 لتدقّ ناقوس الخطر بأعلى صوت. فمع إطلاق حركة حماس هجومها على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وقرار حزب الله فتح جبهة مساندة في الجنوب اللبناني في اليوم التالي في 8 أكتوبر، انخرط لبنان فعلياً في مواجهة دامية جديدة تحت شعار "اسناد غزة". وما تلا ذلك كان كارثياً على لبنان بكل المقاييس: حرب استمرت نحو 13 شهراً حصدت أكثر من 4,000 قتيل على الأراضي اللبنانية، ودمّرت قرى بكاملها في الجنوب والبقاع وأحياء واسعة في الضاحية الجنوبية لبيروت. لقد جرّ السلاح غير الشرعي لبنان إلى مواجهة مدمّرة أخرى مع إسرائيل بذريعة دعم غزة، تماماً كما حذّرنا من تداعيات هذا السلاح، وأثبتت هذه الحرب الأخيرة أن إبقاء قرار الحرب والسلم بيد قوى خارج الدولة لم يَعُد مجرد قضية نظرية، بل مسألة وجودية تُهدّد حياة اللبنانيين واقتصادهم وسمعة بلدهم الدولية.
في تشرين الثاني 2024 تجرّع حزب الله مرارة الحرب ورضخ أخيراً لهدنة إقليمية. أُبرم اتفاق لوقف الأعمال العدائية بين الحزب وإسرائيل بموافقة ضمنية من حزب الله عبر وزرائه في الحكومة حينها. هذا الاتفاق، غير المسبوق في مضمونه، نصّ صراحة على تفكيك البنية العسكرية لحزب الله في كل لبنان، لا في الجنوب فحسب. لقد انتهى زمن الميليشيا نظرياً (على الورق) وبدأت مرحلة جديدة تحضّر لحصر السلاح بالدولة. وبالفعل، باشر الجيش اللبناني الانتشار في مناطق الجنوب التي أخلاها الحزب، وتمكن وفق التقارير من مصادرة وتدمير جزء كبير من ترسانة الحزب هناك، تنفيذاً لبنود اتفاق وقف اطلاق النار. وللمرة الأولى منذ عقود، تنفّس اللبنانيون الصعداء وهم يشاهدون سلطة الدولة تبسط يدها جنوباً، بما يوحي أن تنفيذاً ما للشرعية الدستورية اللبنانية والدولية قد انطلق أخيراً على الأرض.
لكن في المقابل، لم يكن تسليم حزب الله لسلاحه بالأمر السهل أو السريع. فما كاد حبر الاتفاق يجف حتى ظهرت علامات المراوغة والمماطلة: الحزب وافق على وقف القتال لكنه رفض حتى اللحظة الخروج من منطق الحرب ومن عقلية الميليشيا. استمر في استعراض قوته بشعارات "المقاومة مستمرة" والكرنفالات التعبوية، وكأن شيئاً لم يتغير، وكأن لبنان لم يخرج للتوّ من تحت القصف ولم تدمر الفرى الجنوبية وفي البقاع والضاحية التي هي نفوذ مباشر لحزب الله. وعندما ارتفعت أصوات تطالب بمناقشة مصير سلاحه، كان رد الحزب صارماً وواهماً: “لا كلام قبل الانسحاب ووقف الاعتداءات الإسرائيلية وقبل إعادة الإعمار". أي أن قيادة الحزب تربط أي بحث في سلاحها باستكمال انسحاب إسرائيل من النقاط الحدودية الخمس وربما من مزارع شبعا وتلال كفر شوبا! وبوقف كل الخروقات والهجمات الإسرائيلية ضد عناصر ومنشآت حزب الله المستمرة رغم الهدنة، فضلاً عن اشتراطها إعمار ما دمّرته الحرب قبل فتح هذا الملف السيادي. إنها شروط تعجيزية من منظور الدولة، وذريعة إضافية لكسب الوقت وتفادي مواجهة الاستحقاق المحتوم.
على وقع هذه التطورات، تداعى المجتمع الدولي، وفي طليعته الولايات المتحدة، لدفع الأمور نحو حسم مسألة السلاح خارج الدولة. ففي الأشهر الأولى من عام 2025، تكثّفت زيارات الموفدين الدوليين إلى بيروت، حاملة إنذارات ضمنية بضرورة التحرك، أبرزها كانت زيارة الموفدة الأميركية الخاصة مورغان أورتاغوس في أوائل الربيع (نيسان/أبريل 2025)، والتي جالت على المسؤولين اللبنانيين ووضعت أمامهم مطالب أمريكية بالغة الوضوح. لم تُجامل أورتاغوس المسؤولين ولم تُخفِ فحوى رسالتها الحاسمة: وضع جدول زمني لسحب السلاح غير الشرعي وتطبيق القرار 1701 والقرارات الدولية ذات الصلة، لا سيما 1559، وفرض سلطة الدولة على كل الأراضي، وضبط الحدود البرّية والجوية والبحرية (مع سوريا خصوصاً) والشروع فوراً بالإصلاحات المطلوبة. قد يكون أسلوب أورتاغوس جاء أكثر صراحةً ممن سبقها، لكن المضمون واحد: على الدولة اللبنانية أن تستعيد زمام المبادرة السيادية والأمنية بلا تأخير، وإلا… فإن الدعم الدولي المنتظر للخروج من الانهيار المالي قد لا يرى النور.
نَبَّهت الموفدة الأميركية إلى أن واشنطن ضاقت ذرعاً ببطء السلطات اللبنانية في معالجة الملفات الشائكة وعلى رأسها سلاح حزب الله. وإذ أدركت الحساسية الداخلية المحيطة بسلاح حزب الله، شدّدت على أن البدء بالخطوات العملية يجب أن يكون من سلاح الفصائل الفلسطينية المنتشر في المخيمات، باعتباره ملفاً أسهل نسبياً وباستطاعة الدولة حله "في أي لحظة" إذا توفر القرار. بكلام آخر، رسالة أورتاغوس للبنانيين كانت: ابدأوا الآن بنزع السلاح غير الشرعي حيثما أمكن – في المخيمات الفلسطينية – تمهيداً للانتقال لاحقاً إلى المعالجة الكبرى لسلاح حزب الله. ولم تُخفِ الموفدة الأميركية امتعاضها من استمرار نشاط حركة حماس العسكري في لبنان، محذرةً من أن الدولة القوية التي تحترم سيادتها لا يمكنها التغاضي عن تنظيم مسلّح أجنبي يستخدم أرضها منصّة لتحركات عسكرية تهدد أمنها. فالخطر الداهم من تكرار سيناريو أواخر الستينات وانفلاش السلاح الفلسطيني حاضر بقوة في الأذهان – مع فارق جوهري هذه المرّة هو أن حماس مصنّفة كذراع إيرانية مرفوضة عربياً وفلسطينياً، وليست محل تعاطف كما كان حال منظمة التحرير إبان حقبة السبعينات.
وفي منتصف حزيران 2025، حطّ في بيروت موفد أميركي رفيع آخر ليكمل ما بدأته أورتاغوس، وهو السفير الأميركي في تركيا والمبعوث الخاص لسوريا توماس بارّاك. استقبل المسؤولون اللبنانيون بارّاك بحفاوة لا تخلو من القلق؛ فهذا الموفد هو أيضاً من أصل لبناني ويعرف خفايا التركيبة المحلية جيداً وجاء في ظرف إقليمي غير مسبوق حيث تتشابك حرب إسرائيل مع إيران على نطاق واسع. حمل بارّاك رسالة دعم أميركية للقيادة اللبنانية الجديدة (رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام) مفادها: سنساعدكم اقتصادياً وأمنياً، لكن احموا لبنان من نيران المنطقة. وفي لقاءاته مع المسؤولين، وخصوصاً رئيس المجلس النيابي نبيه بري، حذّر بصريح العبارة من أي تورط لحزب الله في الحرب الإقليمية الدائرة، معتبراً أن انخراطه سيكون “قراراً سيئاً جداً جداً جداً” وستكون له عواقب وخيمة.
بالتوازي، سمع بارّاك من الرئيس جوزاف عون: تأكيد بأن الدولة اللبنانية منخرطة في "جهود حثيثة لتحقيق حصر السلاح بيدها وحدها" سواء على صعيد سلاح حزب الله أو السلاح الفلسطيني. وقد أبلغ عون الموفد الأميركي أن هذه الجهود ستتكثف بمجرّد أن يستقر الوضع الإقليمي وتضع الحرب أوزارها. أكثر من ذلك، كشف الرئيس اللبناني أن خطة الشروع بنزع سلاح المخيمات الفلسطينية في بيروت كانت مقررة أن تبدأ خلال ذلك الأسبوع، إلا أنها أُرجئت بسبب التصعيد بين إسرائيل وإيران. هذه الإشارة بالغة الدلالة: فالدولة اللبنانية، وللمرة الأولى منذ عقود، تعلن نيتها صراحةً جمع السلاح غير الشرعي الفلسطيني على أراضيها ضمن عملية منظمة. صحيح أن التنفيذ تأجل ريثما تهدأ الجبهة الإقليمية المشتعلة، لكن مجرد طرح الأمر بهذا الوضوح أمام الموفد الأميركي يعني أن ساعة التحرك دقّت أو تكاد تدقّ بعد طول تريّث.
يشكّل سلاح الفصائل الفلسطينية في لبنان صفحة قديمة جديدة في آن واحد. فمنذ اتفاق القاهرة عام 1969 وحقبة الحرب الأهلية، بقيت المخيمات الفلسطينية بمثابة جزر أمنية مغلقة تحظر دخول الجيش اللبناني، الأمر الذي أتاح لجماعات فلسطينية مختلفة امتلاك ترسانات من الأسلحة داخلها. ورغم إلغاء اتفاق القاهرة في أواخر الثمانينات، استمر هذا الواقع بحكم الأمر الواقع والتوازنات السياسية الهشة. خلال العقود الماضية جرت محاولات خجولة لضبط هذا السلاح، تخللتها صدامات كأحداث مخيم نهر البارد 2007 حيث قضى الجيش على مجموعة فتح الإسلام المتطرفة. لكن بقي السلاح عموماً تحت سيطرة الفصائل الكبرى (فتح، حماس، الجهاد الإسلامي وغيرها) داخل المخيمات الرئيسية ولا سيما عين الحلوة في صيدا. وشهد لبنان مؤخراً اشتباكات دامية في عين الحلوة (صيف 2023) بين فتح ومجموعات متطرفة، كشفت خطورة ترك الوضع ملتهباً بهذا الشكل.
بعد حرب غزة الأخيرة، ازداد الضغط المحلي والإقليمي لوضع حدّ لنشاط حركة حماس العسكري في لبنان بالذات. فخلال الحرب، تبيّن أن حماس تستخدم الساحة اللبنانية لتنفيذ هجمات صاروخية (عبر مجموعات حليفة مثل الجماعة الإسلامية) واستقدام الدعم الإيراني عبر حزب الله. وقد تعرّضت مواقع مرتبطة بحماس لضربات إسرائيلية مباشرة، واغتيال قياداتها، كما كشفت تقارير أمنية أن حماس تحاول تجنيد فلسطينيين ولبنانيين استعداداً لجولات قتال جديدة، ما جعلها أشبه بقنبلة موقوتة داخل المخيمات تُنذر بتفجير الوضع اللبناني من الداخل في أي لحظة.
أمام هذا الخطر، برز إجماع لبناني غير معلن على ضرورة الإسراع في معالجة ملف السلاح الفلسطيني كخطوة أولى. فحتى السلطة الفلسطينية نفسها شجّعت عبر رئيسها محمود عباس على حل هذه المعضلة، وأبدت استعدادها للتعاون مع الدولة اللبنانية في ضبط أمن المخيمات. ولم يعد هناك من يعارض مبدئياً قيام الجيش اللبناني بجمع سلاح المجموعات الفلسطينية. على العكس، علت أصوات لبنانية وفلسطينية تطالب بترحيل قيادات حركة حماس من لبنان كلياً، تفادياً لاستدراج لبنان لانتقام إسرائيلي جديد. وجرى تداول فكرة نفي مسؤولي حماس إلى دول مثل قطر أو تركيا، على غرار ما حصل مع قادة جماعات متطرفة إبان حروب غزة السابقة. فلبنان اليوم، كما قالت صحيفة نداء الوطن، تحت رقابة مشددة من المجتمع الدولي والعالم العربي، وأي تلكؤ في ضبط هذا الملف سيعطي مبرراً لإسرائيل لمواصلة حربها. من هذا المنطلق فإن إظهار الدولة لحُسن نية عبر خطوة جمع السلاح الفلسطيني، وترحيل قيادات حماس سيخفف الضغط الخارجي عن لبنان وربما يجنبّه ويلات أمنية جديدة.
غير أن هذه الخطوة لم تسلم من التجاذب السياسي الداخلي. فبينما يتبنّى الرئيس جوزاف عون ورئيس الحكومة مقاربة شاملة لنزع كل سلاح خارج الدولة بالتوازي، نجد الثنائي الشيعي يحاول حصر الأمر بالسلاح الفلسطيني فقط. ظهر ذلك جلياً في تصريحات رئيس المجلس نبيه بري الذي حذّر من "الذهاب بعيداً" في نزع السلاح الفلسطيني، داعياً إلى الاكتفاء بنزع سلاح مخيمات بيروت دون سواها. هذه النظرة الضيقة اعتبرتها أوساط سيادية بمثابة تهرّب من معالجة أصل المشكلة. فنزع سلاح المخيمات في بيروت (مثل برج البراجنة وشاتيلا) خطوة مرحّب بها، لكنها تبقى منقوصة إذا تم تأجيل البتّ بسلاح المخيمات الكبرى في الجنوب (عين الحلوة والمية ومية) أو سلاح حزب الله ذاته. بل إن مراقبين رأوا أن إثارة ضجة السلاح الفلسطيني في هذا التوقيت لم تكن سوى محاولة من الثنائي الشيعي لإبعاد البحث عن سلاح حزب الله نفسه.
عقدة سلاح حزب الله: الاختبار الأصعب ما بعد الحرب
يبقى سلاح حزب الله التحدي الأكبر والأكثر تعقيداً في مشهد ما بعد الحرب. فهذا الحزب التي كان يوماً ميليشيا محلية صغيرة إبان الحرب الأهلية، نمى وترعرع بعد 1990 تحت شعار "المقاومة ضد إسرائيل" حتى تحول إلى قوة عسكرية إقليمية يدين بالولاء السياسي لإيران وتتفوق ترسانته على تسليح الجيش اللبناني نفسه. طوال ثلاثة عقود، تهرّبت كل الحكومات المتعاقبة من مواجهة معضلة سلاح حزب الله، ولجأت إلى طاولة الحوار الوطني مراراً دون جدوى – من "إعلان بعبدا" 2012 الذي دعا لتحييد لبنان، إلى مناقشات الاستراتيجية الدفاعية التي لم تكتمل. بقي حزب الله يعتبر سلاحه مقدّساً “ما دام هناك شبر محتل أو خطر إسرائيلي”، وبقي خصومه يعتبرونه سلاحاً غير شرعي يقوّض سيادة الدولة. وظل الملف مؤجلاً بحكم الأمر الواقع، إلى أن فرضت حرب غزة الأخيرة وظروف المنطقة تسريع عقارب الساعة ووضع الجميع أمام لحظة الحقيقة والقرار.
إن الاتفاق الأخير لوقف النار جاء هذه المرّة مزوّداً بآلية تنفيذية وضغط دولي حثيث، ما يجعله مختلفاً عن كل ما سبق. فإلزام حزب الله بتفكيك بنيته العسكرية ليس مجرد طرح نظري بل شرط أساسي في صفقة إنهاء الحرب. وقد اخذت بيروت خطوات جدّية على الأرض، أبرزها انتشار الجيش في المواقع التي كانت مراكز للحزب في الجنوب ومصادرة أسلحة ومخازن تابعة له. كذلك يظهر أن قدرات حزب الله العسكرية استُنزفت خلال 13 شهراً من المواجهة مع إسرائيل، إلى حد أن الحزب بات ضعيفاً وغير قادر على مؤازرة حليفه الإيراني ميدانياً. وباعتراف مقربين منه، اضطر الحزب للقبول بتسويات ميدانية أضعفت قبضته جنوباً، مسلماً بالقبول ان الجيش اللبناني بالحلول مكانه في كثير من المناطق تنفيذاً للهدنة. كما أن حزب الله يواجه مؤخراً ضربة موجعة أخرى، تتمثل في تراجع أو انقطاع الدعم المالي الإيراني، إلى جانب الإمدادات العسكرية، نتيجة استنزاف إيران في الحرب الإسرائيلية-الإيرانية الأخيرة، وقطع ومراقبة الحكومة السورية الجديدة لأي أوصال بين ايران وحزب الله على أراضيها.
هذا الواقع الجديد وضع قيادة الحزب أمام سؤال مصيري: هل تستمر في الرهان على سلاحها مهما كان الثمن، أم تدخل في تسوية تاريخية، مقابل ضمانات سياسية وأمنية؟
لا تبدو قيادة حزب الله حتى اللحظة مستعدة للتخلي الطوعي عن سلاحها أو حتى وضع جدول زمني لذلك. فهي تعتبر أنهم في زمن المظلومية تصوّر نفسها وبيئتها بأنهم “مكوّنًا مجروحًا دفع أثماناً باهظة دفاعاً عن لبنان" فلا يصح برأيها أن يُطلب نزع سلاحها قبل التأكد من زوال الأخطار. ومن هذه الزاوية جاءت شروطها المسبقة بخصوص الانسحاب الإسرائيلي الشامل ووقف الغارات وإعادة الإعمار قبل أي حديث عن السلاح. كما تستند قيادة الحزب إلى حجة “الشرعية الشعبية” لسلاحها ضمن بيئتها، وتذكّر بأنها لا تزال ممثَّلة في البرلمان والحكومة ولم يصدر أي توافق داخلي صريح يطالب بنزع سلاحها بالقوة.
لكن في المقابل، يشتد الإجماع الوطني المضاد يوماً بعد يوم على أولوية حسم هذا الملف كشرط لخلاص لبنان. فحتى ضمن الطائفة الشيعية هناك أصوات ترتفع همساً بأن أثمان المغامرات العسكرية باتت لا تُحتمل، وأن الضمانة الحقيقية لأمن الشيعة كما سائر اللبنانيين هي دولة قوية وجيش واحد، لا دويلة وسلاح منفلت. أما على مستوى القيادات السياسية الأخرى، فقد توحدت مواقف خصوم الأمس على ضرورة إنهاء وضع حزب الله المسلح. فها هو سمير جعجع، رئيس القوات اللبنانية، يزور قصر بعبدا للمرة الأولى منذ عقود ويلتقي الرئيس جوزاف عون (في لقاء وُصف بالإيجابي والودي)، ليخرج مطالباً بوضع جدول زمني واضح لتسليم سلاح حزب الله ولقيام دولة فعلية في لبنان ذات جيش واحد وقرار سيادي واحد. وشدّد جعجع في تصريحات متتالية على أن معالجة ملف السلاح غير الشرعي هي مصلحة لبنانية أولاً وأخيراً قبل أن تكون مطلباً أميركياً أو سعودياً أو دولياً، إذ لا يمكن بناء دولة أو إصلاح الاقتصاد بظل وجود دويلات أمنية داخل الدولة. وذكّر جعجع بأن هذا السلاح كان يفترض أن يُسلّم إلى الجيش منذ سنة 1990 "لو كنا فعلاً نحترم اتفاق الطائف".
بل إن جعجع ذهب أبعد من ذلك معلناً تفاؤله بأن تسليم السلاح سيتم قبل نهاية عام 2025، ومشيراً إلى أن التنسيق قائم بين رئيس الحكومة نواف سلام ورئيس الجمهورية لتحقيق هذا الهدف الإستراتيجي. وحين سئل عن ضغوط الخارج، قال بصراحة: إذا أردنا دولة فعلية في لبنان، يجب أن يُسلَّم هذا السلاح أمس قبل اليوم!. مواقف جعجع تعكس شعوراً عاماً لدى شريحة واسعة من اللبنانيين اليوم بأن “ساعة الحقيقة” حانت ولم يعد بالإمكان الهروب منها. فإما دولة القانون والمؤسسات بسيادة كاملة، وإما دوامة الفوضى والحرب التي لا نهاية لها. ويؤيده في ذلك الكثير من الأصوات السيادية التي باتت تصرح علناً: “من أراد دولةً سلّم السلاح، ومن أراد الحرب تمسّك به”. لقد أصبح الخيار واضحاً كالشمس، ولا منطقة رمادية بعد الآن.
حملت زيارة الموفد الأميركي توماس بارّاك إلى بيروت ما وُصف بـ"خريطة طريق" شاملة لمعالجة الوضع اللبناني، تمحورت حول تسريع نزع سلاح المجموعات غير الشرعية وفي طليعتها حزب الله إلى جانب بنود مكملة تتعلق بالإصلاحات والعلاقات مع سوريا. في صلب هذه الورقة مطلب أميركي حاسم بحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية ضمن آلية عاجلة تضع جدولا زمنياً واضحاً للتنفيذ. وقد كشفت مصادر مطلعة أن بارّاك اقترح مقاربة تدريجية على قاعدة الخطوة مقابل خطوة تزامناً مع انسحاب إسرائيلي من الأراضي المحتلة: فمثلاً تنسحب إسرائيل من إحدى النقاط التي تحتلها مقابل قيام لبنان بإزالة سلاح الحزب من موقع معين شمال نهر الليطاني، على أن يتواصل هذا التبادل المرحلي وصولاً إلى انسحاب إسرائيل الكامل من من النقاط الخمس الحدودية المحتلة مقابل إنهاء حالة السلاح غير الشرعي نهائياً. وفي هذا السياق، تحدثت التقارير عن خطة تفصيلية لتجزئة عملية تسليم سلاح حزب الله جغرافياً على ثلاث مراحل: تبدأ بالضاحية الجنوبية لبيروت، ثم منطقة البقاع وبعلبك، وصولاً إلى مناطق شمال الليطاني، وذلك ضمن أطر زمنية محددة يتولى خلالها رئيس الجمهورية نقل هذا الطرح إلى قيادة الحزب. كذلك شملت ورقة بارّاك مسألة سلاح الفصائل الفلسطينية وضبط الحدود وترسيمها ولا سيما مزارع شبعا وحل النزاع على ملكيتها بين لبنان وسوريا، كعناصر مكمّلة لضمان سيادة الدولة الكاملة أمنياً. ورغم تراجع الموفد الأميركي عن تحديد مهل قطعية بسبب تطورات حرب إيران وإسرائيل آنذاك، فقد شدّد أن المهلة ليست مفتوحة إلى ما لا نهاية، محذّراً من أن عامل الوقت ليس في صالح لبنان إذا تلكّأ في التجاوب. وقد ألمح الموفد الأميركي إلى إمكانية أن تبادر الحكومة اللبنانية نفسها إلى إصدار قرار تنفيذي يُكرّس حصرية السلاح بيد الدولة كخطوة أولى، بما يدفع إسرائيل إلى خطوات متزامنة في المقابل.
أمام هذه الطروحات غير المسبوقة، شهدت الساحة السياسية اللبنانية استنفاراً لتوحيد الموقف الرسمي. فقد أكّدت مصادر وزارية أن الرؤساء الثلاثة – رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام ورئيس مجلس النواب نبيه بري – يعكفون على إعداد ورقة عمل موحّدة تتضمن رؤية الدولة لكيفية تسليم سلاح حزب الله ووضع كل سلاح غير شرعي تحت مظلة الشرعية. وتولّت لجنة ثلاثية من مستشاري الرؤساء صياغة الرد اللبناني على أفكار بارّاك، مع تسجيل بعض التحفّظات الأولية على بنود تحتاج تمحيصاً إضافياً. لكن اللافت أن رئيس الحكومة سلام فضّل تنسيق الموقف مباشرة بين الرؤساء أنفسهم بدل إطالة البحث عبر الوسطاء، نظراً لدقة الملف وضيق هوامش الوقت. وبالفعل باشر سلام اجتماعات عمل مع الرئيس عون في القصر الجمهوري ثم مع الرئيس بري في عين التينة بهدف بلورة رد رسمي موحّد يُرفع إلى مجلس الوزراء لإقراره قبل تسليمه إلى الموفد الأميركي في زيارته المقبلة مطلع تموز. هذا التحرّك عكس حرصاً مشتركًاً لدى القيادات اللبنانية على إظهار جبهة واحدة في مقاربة المبادرة الأميركية، وإن كانت خلفيات كل منهم تضفي تمايزاً في أسلوب التعاطي معها. فالرئيس عون، بخلفيته العسكرية وموقعه الضامن لسيادة الدولة، أدار حواراً منفتحاً مع باراك تحت سقف ثابت وهو التزام اتفاق وقف النار وحصرية السلاح بيد القوى الشرعية. وقد نال نهجه هذا إشادة الموفد الأميركي الذي أعرب عن تقديره لطريقة عون في مقاربة ملف سلاح الحزب، مع تأكيده بالمقابل أن مطلب نزع السلاح لا يزال جوهرياً لتحقيق استقرار أمتن، ووعد بالسعي لدى إسرائيل لتأمين انسحابها الكامل من الأراضي اللبنانية وإنهاء حالة العداء كجزء من أي تفاهم نهائي. من جهته، أظهر الرئيس سلام حماسة لتلقف المبادرة الأميركية ضمن شروط السيادة اللبنانية، فهو شدّد في جلسة الحكومة الأخيرة على الالتزامات الواردة في البيان الوزاري ولا سيما إلزامية انسحاب إسرائيل ووقف اعتداءاتها والتزام حصر السلاح وقرار الحرب والسلم بيد الدولة وحدها. وينظر سلام، ذو الخبرة الدبلوماسية الدولية، إلى طرح بارّاك كفرصة لإخراج لبنان من عزلته وتأمين الدعم الدولي المنتظر بشرط إنجاز الإصلاحات وترتيب الوضع الأمني، لذلك حرص على الإسراع في تنسيق الرد الرسمي بلا إبطاء، مع التلويح بانعقاد جلسة خاصة لمجلس الوزراء بعد ذكرى عاشوراء لإقرار آلية عملية لتنفيذ تعهّدات لبنان الأمنية عند تبلور التوافق السياسي حولها. أما الرئيس بري، المشهور بحنكته الحوارية، فتولى دوراً محورياً في ضمان أن يأتي الرد اللبناني "متوازناً ومقبولاً" من جميع الأطراف. هو أكد بالتعاون مع قيادة الحزب على إعداد رؤية تفصيلية مضادة تُناقش مع شريكيه في الرئاسة الأولى والثالثة خلال أيام، وتولى عملياً التفاوض حول النقاط الأمنية الحساسة مع قيادة حزب الله بوصفه شريكاً أسياسياً له. ورغم حذر بري التقليدي حيال أي طرح يستهدف سلاح الحزب، نقلت أوساط مقربة ارتياحه للنهج الذي حمله باراك مقارنة بما سبقه؛ إذ بدا الموفد الأميركي "مرناً" ويتفهم تعقيدات الواقع اللبناني، وطروحاته أقرب إلى منطق الرئيس عون في حل موضوع السلاح عبر الحوار والتزام متبادل، خلافاً لأسلوب الموفدة السابقة مورغان أورتاغوس. مع ذلك، شدّد بري على أن نجاح أي خطة لنزع السلاح مرهون بتوفر الضمانات والتنازلات المقابلة من الجانب الإسرائيلي، وإلا فإن الإصرار الإسرائيلي المعلن على نزع سلاح حزب الله بالكامل قبل أي انسحاب سيُفرغ المقترح الأميركي من جدواه. من هنا يحرص بري على تثبيت معادلة التوازي في الرد اللبناني المنتظر: استعداد لتنفيذ التزامات لبنان الأمنية خطوة بخطوة مقابل إقرار أميركي-إسرائيلي موازٍ بتنفيذ موجبات انسحاب اسرائيل وترسيم الحدود.
تُجمع القراءات على أن الرؤساء الثلاثة يتجهون لصياغة موقف لبناني موحّد وحذر في آنٍ معاً حيال خارطة الطريق الأميركية. هذا الموقف سيتضمن، بحسب التسريبات – قبولاً مبدئياً بمبدأ حصرية السلاح وتسليمه تدريجياً إلى الدولة ضمن ضمانات وترتيبات متبادلة، مع التشديد في الوقت نفسه على مسؤولية المجتمع الدولي في كبح أي تعنت إسرائيلي قد يعرقل المبادرة. وهكذا، يبدو لبنان الرسمي بصدد اغتنام الفرصة الدبلوماسية المشروطة التي حملها بارّاك: فالاستراتيجية التي يُبلورها عون وسلام وبري ترتكز على تثبيت الاستقرار الداخلي عبر ضبط السلاح المنفلت ضمن الأطر الشرعية، وإلزام إسرائيل بتنازلات ملموسة بالتنسيق مع الضامن الأميركي. ولا ريب أن تباينات طفيفة قد تطفو بين رؤى الرؤساء – بين اندفاع سلام، وتحفظ بري، ودور عون كوسط الضامن، إلا أن هذه التباينات ظلت مضبوطة تحت سقف السياسة اللبنانية التقليدية لتفادي أي صدام داخلي. وعليه يُتوقع أن يُرفع الرد اللبناني الموحّد خلال أيام إلى الإدارة الأميركية، متضمّناً موقفاً يُبدّي الإيجابية والحزم معاً: إيجابية عبر الاستعداد لتنفيذ نزع سلاح كل الميليشيات كسبيل لاستعادة الثقة والدعم الدولي، وحزم عبر ربط هذه الخطوات السيادية بتعهدات وضمانات مقابلة تصون لبنان من أي أخطار أو فراغ أمني وتكرّس توازن في الالتزامات بين بيروت وتل أبيب. هذا الرد المرتقب سيُظهر مدى قدرة الرؤساء الثلاثة على إدارة الملف الأكثر حساسية في تاريخ لبنان الحديث بصف واحد وصوت واحد.
دقّت الساعة فعلًا لتسليم السلاح، ولم يعد هناك أي مجال لتأجيل هذه المسألة أو التهرّب منها. اليوم، وفي ظل الضغوط الدولية والإقليمية المكثفة التي تدفع باتجاه تنفيذ قرارات مجلس الأمن 1559 و1701، لم تعد هناك مساحة للمناورة أو المراوغة من قبل حزب الله. المقاربة الدولية باتت واضحة ومحددة: لا دعم مالياً أو سياسياً أو أمنياً للبنان ما لم يتم حصر السلاح بيد الدولة وحدها. وبالتالي، على حزب الله أن يدرك أن إصراره على الاحتفاظ بالسلاح لم يعد خياراً.
عملياً، المطلوب اليوم هو اتخاذ قرارات تنفيذية واضحة من الحكومة اللبنانية لبدء مسار نزع السلاح غير الشرعي تدريجياً وفق آلية «الخطوة مقابل خطوة» المطروحة دوليًا، والتي تربط الانسحاب الإسرائيلي بتسليم تدريجي للسلاح من المناطق الرئيسية التي يسيطر عليها حزب الله. إذا كانت قيادة الحزب جادة في حماية بيئتها أولاً، فعليها أن تقبل فورًا بالدخول في هذه التسوية العملية بدل الاستمرار في رفع شروط تعجيزية تدرك جيدًا أنها لن تتحقق.
في المحصّلة، ليس أمام لبنان اليوم إلا خياران: إما دولة واحدة بسيادة كاملة على جميع أراضيها وأسلحتها وقراراتها، أو التشرذم والتفتت التدريجي والتوترات والأزمات، التي ستؤدي حتماً إلى مزيد من الحروب والدمار والانهيارات.
قبل أربعين عاماً، قال الرئيس الشهيد بشير الجميّل عبارته الشهيرة: "دقّت ساعة الحقيقة، فإما نبني لبنان جديداً أو يذهب لبنان إلى الأبد”. واليوم يجد اللبنانيون أنفسهم أمام ساعة حقيقة جديدة تقرع بشدة. الفارق أن رهان هذه الساعة ليس فقط بناء لبنان جديد، بل إنقاذ ما تبقّى من الوطن من الضياع النهائي. لقد دفع لبنانَ ثمن المغامرات العسكرية وتعدد الولاءات ثمناً لا يُطاق من أرواح أبنائه واقتصاده وسمعته. وآن الأوان لوقف العدّ العكسي للانهيار عبر قرار تاريخي شجاع يعيد للدولة هيبتها وسلطتها الكاملة على أرضها.
إن دقّات الساعة تُسمَع اليوم بوضوح في قاعات الأممية وعواصم القرار، كما تُسمَع في شوارع بيروت والجنوب والبقاع والشمال وجبل لبنان. اللبنانيون، على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم، سئموا الحروب بالوكالة والمعادلات العبثية التي جعلتهم وقوداً لصراعات الآخرين. لا مستقبل لأي سلاح غير شرعي بعد اليوم في لبنان، هذه حقيقة أكدتها التجارب المريرة. فالدولة وحدها هي صاحبة القرار، وأي سلاح خارجها يعني حرباً جديدة لا يعلم أحد متى تنتهي.
لقد دقّت الساعة لكي يُحسم الأمر بلا مواربة. وقد يكون العام 2025 هو الفرصة الذهبية النادرة لوضع أسس لنظام لبناني جديد لا تبقى جماعة تشعر بالغبن أو بالخوف، أو تكون رهينة مكوّن لبناتي آخر، ولا يعود هناك مبرّر لأن يحتفظ أي طرف بخيارات عسكرية خارج مظلة الجيش. بهذا فقط يستطيع لبنان الخروج من نفق أزماته الوجودية. وبغير ذلك، سيبقى يدور في حلقة التسويات المؤقتة التي لا تلبث أن تنهار على رؤوس الجميع.
إنها لحظة شبيهة بلحظة اتفاق الطائف قبل ثلاثة عقود، لكنها أيضاً مختلفة عنها. فهذه المرة القرار يجب أن ينبع من إرادة لبنانية جامعة بأنه لا خلاص من دون دولة فعلية مكتملة الصلاحيات. والمجتمع الدولي مستعد للدعم، بل يضغط باتجاه الدعم، ولكن التنفيذ يبقى رهن إرادة اللبنانيين أنفسهم. وكما قالت نداء الوطن في إحدى افتتاحياتها الأخيرة، وقف الحرب لا يعني التراخي جنوباً أو تراخي الدولة في بسط سلطتها. فلا مكان بعد الآن لأنصاف الحلول. وإن كان لبنان قد أضاع فرصاً كثيرة في الماضي، فلا يجوز أن يُضيّع هذه الفرصة المصيرية.
يقف لبنان اليوم على مفترق مصيري، وقرار تسليم السلاح لم يَعُد شعاراً فارغاً بل مفتاح الدخول إلى زمن الدولة الحديثة. عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، والوقت الثمين المتبقي لإتمام هذه الخطوة التاريخية يكاد ينفد.