في خضمّ أخطر المراحل التي يمرّ بها لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية، خرج علينا مُجددًا أمين عام "حزب الله"، الشيخ نعيم قاسم، بعبارات مكرّرة وممجوجة من أرشيف لغة خشبية فقدت قيمتها، قائلاً: "نحن قادرون على هزيمة إسرائيل، ولا أحد يلعب معنا".
لكن أيّ نصر يتحدّث عنه قاسم؟ وأيّ كرامة تُستعاد فيما الجنوب يحترق، والبيوت تهدّ، والناس تُهجَّر من قراها وأرزاقها، ولبنان يُدفع، عن سابق تصوّر وتصميم، ليكون صندوق بريد بين إيران وإسرائيل، بينما من يدّعي "القدرة" لا يجرؤ حتى على مغادرة مخبئه؟
أيّ بطولة هذه التي تُمارس من وراء الميكروفونات، بينما الدولة تُسلب، والسيادة تُداس، والقرار الوطني يُختَطف، واللبنانيون يُرغَمون على دفع فواتير مغامرات لا تعنيهم، ولا تعبّر عن إرادتهم؟
إنّ ما قاله قاسم لا يُعَدّ مجرّد تصريح سياسي، بل هو تأكيد على استمرار نهج يمعن في توريط لبنان أكثر فأكثر، ويصرّ على تقديمه ساحة تصفية حسابات إقليمية على مذبح "محور الممانعة"، الذي يتلطّى خلف شعارات "التحرير" و"المقاومة" ليمارس هيمنة متكاملة على الوطن والمؤسسات والقرار.
اللغة التي يستخدمها قاسم، بما تحمله من عنجهية واستعلاء ومغالطات، لم تعد تخدع أحداً. لا اللبنانيين الذين ذاقوا مرارة الانهيار، ولا الجنوبيين الذين هُجّروا مرةً جديدة من أرضهم، ولا حتى الرأي العام العربي والدولي الذي بات يعي تمامًا أن "الممانعة" ليست إلا غطاءً لهدم الكيان اللبناني وتفريغ الدولة من مضمونها.
فمن يملك فعلاً القدرة على هزيمة إسرائيل، لا يحتاج إلى صراخ ولا تهديدات فارغة، بل يُثبت نفسه في الميدان السياسي أولاً، عبر بناء دولة قوية، بجيش واحد، وسلطة موحّدة، وعدالة نزيهة. أما من يختبئ في السراديب ويُصدر قرارات الحرب والسلم من دون تفويض شعبي أو دستوري، ويجرّ البلد إلى الدمار، فمكانه ليس في موقع القرار، بل أمام القضاء... ومكان نعيم قاسم بالذات هو قفص الاتهام، لأنه بات العدو الأول للشعب اللبناني، ولسلمه، وعيشه، واستقراره.
ولذلك، نوجّه نداءً صريحاً إلى الحكومة اللبنانية والقضاء اللبناني، ونطالب بمحاكمة نعيم قاسم، وكل من تورّط في إغراق لبنان بحروب خارجية، لأن السكوت على هذا الإنزلاق هو تواطؤ، والتأخير في المحاسبة هو جريمة. لبنان دولة، لا مزرعة، ولن يبقى رهينة لغرور أيديولوجي دمّر ما تبقى من وطن ودولة ومؤسسات... والسلام
رئيس دائرة الإعلام الداخلي وعضو المجلس المركزي في حزب "القوات اللبنانية"