إيفون أنور صعيبي

النهج في الكهرباء: "تخصيص" على القياس وضرب للقوانين

22 آب 2019

01 : 35

كهرباء لبنان
ينطلق النهج المعتمد من قبل وزارة الطاقة في ما خصّ قطاع الكهرباء على اساس تصوّر ان كل وزير سيد وزارته، وذلك يعني انه حرّ ان يفعل ما يشاء. هذا التفسير مبني على تفسير خاطئ للمادة 66 من الدستور والتي تولي الوزير صلاحية "إدارة مصالح الدولة ولكن تحت سقف الانظمة والقوانين" التي تنيط المادة عينها تطبيقها بالوزير.

المخالفة الاكبر التي تشترك فيها الحكومة وغالبية المجلس النيابي تكمن في القانون المطعون فيه امام المجلس الدستوري والمتعلق باعفاء وزارة الطاقة من الخضوع للقوانين لا سيما مواد قانون المحاسبة العمومية بحجّة «تسريع الاجراءات». المجلس الدستوري وهيئة ادارة المناقصات جابها مراراً قرارات الوزارة «الأحاديّة» ولكن ماذا بعد؟ وهل يحقّ للوزير اتخاذ القرار بتخصيص جزئي للقطاع؟

أكثر من أربعة أشهر مرّت على إقرار خطة الكهرباء في مجلس الوزراء، حيثُ تمترست أعين المجتمعين اللبناني والدولي على المسار الذي ستسلكه وزارة الطاقة لناحية احترام المهل وتطبيق بنود الخطة بحذافيرها لمعالجة مشكلة مزمنة تقضّ مضجع قطاع الكهرباء منذ عقود. لكن الأسئلة التي تُطرح تتخطّى الإجراءات الميدانيّة التي نفّذتها الوزارة حتّى الساعة، لتطال الجوهر ومدى تطابق قرارات المكاتب مع الأطر القانونية، التي لم تُحترم يوماً!

تجرى مفاوضات بين وزارة الطاقة وشركات مُقدّمي الخدمات بهدف تعزيز وزيادة صلاحيّاتهم، تبدأ بتسليم عملية طبع الفواتير وتحصيل صناديق الجباية الى شركات مقدمي الخدمات ولا تنتهي عند هذا الحد، حيث طرح مجلس نقابة عمال ومستخدمي كهرباء لبنان في بيانه بتاريخ 5/8/2019 مخاوفه من توسيع صلاحيات شركات مقدمي الخدمات على حساب مستخدمي المؤسسة. في هذه الحالة سيصبح قطاع التّوزيع في كهرباء لبنان شبه مخصخص، من دون أي مراقبة من قبل مؤسسة كهرباء لبنان، علماً أنَّ العقد مع هذه الشّركات لا يسمح بذلك، اي ان الوزارة تستغني عن دورها الرقابي لصالح الشركات الخاصة. هذا ويتمّ العمل على ايجاد اطار قانونيّ من دون تحضير دفاتر شروط تتضمن الآليات الجديدة لاعمال شركات مقدمي الخدمات ومن دون المرور بالهيئة الناظمة وفق ما نصّت عليه خطة الكهرباء التي أقرّت في مجلس الوزراء. يتمّ ذلك من خلال اعداد مذكرة تفاهم بين مؤسسة كهرباء لبنان وشركات مقدمي الخدمات مع ما يستتبعها من اصدار قانون يمنح امتيازات للشركات الحالية. وهذا ما يعتبر خصخصة قطاع توزيع كهرباء لبنان مع شركات مقدمي الخدمات الحالية من خلال اتفاق رضائي مغلف ضمن أطر قانونية ملتوية.

نسف الهيئة الناظمة

يُستشفُّ من هذه الإجراءات عمليّة نسفٍ كامل لدور الهيئة الناظمة عبر التّمترس خلف تعزيز صلاحيات شركات مقدّمي الخدمات الحاليّة في التّوزيع من جهة، وخلف العمليات الإنتاجيّة المقرّرة من جهة أخرى، ممّا يُعدّ استباقاً مشبوهاً لتعديل القانون 462 ولتشكيل الهيئة الناظمة وتعيين مجلس ادارة جديد لكهرباء لبنان.

وفي خضم عمل اللجنة الوزارية على تعديل القانون رقم 462، أصدرت نقابة موظفي عمّال شركة كهرباء لبنان بياناً استنكرت فيه مساعي اللجنة لتعديل المادّة 45 من هذا القانون والتي تنصّ على حقوق العمّال والموظّفين في الشركة من دون العودة إليها، مع العلم أنّه في الماضي تمّ الأخذ برأي النقابة في نصّ هذه المادّة، وهنا يُنتظر من وزارة العمل التحرّك لحماية حقوق آلاف الموظّفين والمستخدمين في مؤسسة كهرباء لبنان.

رخص الإنتاج

أمّا في ما خصّ رخص الانتاج ودفاتر الشّروط، فيُخشى من عمليّات حثيثة للفصل بين مساري حلّ الانتاج الموقت والدائم عبر طلب الكهرباء لمدّة 5 سنوات على الفيول الثقيل كالذي تعمل عليه بواخر الكهرباء التركية، وعلى خط موازٍ يُعمل على بناء المعامل ولكن بشكل منفصل ممّا يُوجب وفق دفتر الشروط الإبقاء على الحلّ الموقت لمدّة خمس سنوات، في تخطٍّ فاضح لما نصّت عليه خطة الكهرباء لجهة الدّمج بين الموقت والدائم، وهذا ما بدا جلياً من خلال اطلاق وزارة الطاقة بتاريخ 11.07.2019 لعملية قبول طلبات التصنيف للشركات الراغبة في اختصاص تطوير مشاريع لإنشاء معامل تقليدية لإنتاج الطاقة الكهربائية وفق صيغة IPP والتي لم تتضمن بشكل واضح مواقع معامل الانتاج وقدرتها الانتاجية ولا اية معايير عن دمج مسار الحل الموقت مع الحل الدائم.

زيادة على الكيلواط

إنَّ الرّجوع عن عملية الدّمج، ستُكلّف خزينة الدولة زيادة كبيرة على الكيلواط/ساعة بمعدّل 2.8 إلى 3 سنتات لمدّة 25 سنة متتالية، حيثُ يُرجّح أن تُستغلّ هذه المسألة من قبل المنظّرين لحلّ البواخر والمتعهّدين باستقدامها للقول إنَّ كلفة الكيلواط/ساعة هي 12 سنتاً وليست 9 سنتات كما تم التسويق لها سابقاً، بالتّوازي مع تسريبات تتحدّث عن نيّة شركة كاردينيز المُشغّلة لبواخر الطّاقة في لبنان عن تحويل عقد الباخرة BOT بـ3 سنتات لمدة 25 سنة.

يعدّ الالتزام بالمهل القانونيّة في خطة الكهرباء أحد أكبر التحدّيات التي تواجه وزارة الطاقة والدولة اللبنانيّة على حدّ سواء. وهنا يبرز بند بناء معمل دير عمار 2 الذي كان يجب أن ينطلق خلال العام 2019 الجاري للانتهاء من مرحلته الاولى في العام 2021 بوضع 360 ميغاواط على الشبكة والانتهاء في مرحلته الثانية في العام 2022 بوضع 550 ميغاواط على الشبكة. لكن حتّى اليوم لم يبدأ العمل فيه وما من مُعطيات جدّية تُشير الى ذلك مع العلم ان مجلس الوزراء اتخذ قراراً حول معمل دير عمار2 بتاريخ 18.05.2018، كما أنَّ الحديث عن توفّر 220 ميغاواط طاقة رياح و180 ميغاواط طاقة شمسية في العام القادم وفق ما تنصّ عليه الخطة، ما زالَ حبراً على وعود.

أما بالنسبة الى محطات التغويز والتي تعتبر صمام الامان لبناء المعامل الثابتة العاملة على الغاز الطبيعي، فهل هي على السكة الصحيحة؟ ولماذا يُخشى من التأخير باستقدامها وتركيب الامدادات اللازمة لايصال الغاز الى موقعي الجية والزوق؟ مما سيدفع حتماً باتجاه تحويل الحل الموقت 1450ميغاواط على الفيول الى حل دائم كما جرى في قضية البواخر التركية.

يبدو ان "المفاوضات" والمحاصصات هي التي تهيمن على "خطة الكهرباء" علماً انه لا يجوز للمفاوضات ان تتجاوز النصوص القانونية الناظمة للقطاع والا اصطدمت القوانين بالمراحل التنفيذية. انّ وجود نص قانوني "صريح" من شأنه ان يوقف اي تدخل يحاول "مُجانَبة" القوانين السارية. وبغض النظر عما اذا كانت الوزارة قد احترمت قرار المجلس الدستوري الاخير أم لا، وبعيداً من الغوص باتباعها للانظمة والقوانين السارية ام عدمها، فان اي اجراء مخالف يتيح لاي شركة او جهة متضررة التوجه الى مجلس شورى الدولة وتالياً ترتيب مبالغ كبيرة لن يكون على الحكومة سوى ان تتكبدها في ظل مساعيها التقشّفيّة.


MISS 3