أكّد رئيس الحكومة نواف سلام أنّ "المجلس الاقتصادي شريك مجتمعي أساسي في هذه اللحظة المفصليّة والإنقاذ لا يكون إلّا عبر إصلاح فعلي يؤسّس دولة حديثة تحصل على ثقة المواطنين ودول العالم".
زار الرئيس سلام أمس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بدعوة من رئيسه شارل عربيد، والتقى رؤساء ونقباء الهيئات الاقتصادية والمهن الحرة والاتحاد العمالي العام وأعضاء المجلس وممثلي المجتمع المدني المنظم، في إطار حوار تشاركي يتمحور حول خطة الحكومة للنهوض الاقتصادي ورؤيتها للوضع الاجتماعي، بالإضافة إلى التحديات المقبلة.
قال سلام: "نكثّف الضغوط لتنفيذ القرار 1701 والدولة تواصل جهودها لبسط سلطتها على كافّة الأراضي من أجل حصر السلاح والحدّ من التهريب وتعزيز السلامة في المطار"، مشيرًا إلى أنّ "زياراتنا أنا والرئيس عون لدول عدّة كانت من أجل إعادة لبنان إلى الحضن العربي والدولي ولا استثمار أو خدمات من دون استقرار مالي أو اقتصادي"، مضيفًا: "نعمل على استكمال قانون الفجوة الماليّة وإقرار قانون رفع السريّة المصرفيّة كأساس للإصلاح المالي كما أن الدولة تسعى لتعزيز خدماتها ولا ينتعش الاقتصاد من دون تفعيل الدور الائتماني للمصارف".
ولفت إلى أنّ "من دون تدفّق جديد للإئتمان ستبقى الدورة الاقتصاديّة مشلولة ومفاوضاتنا مع صندوق النقد الدولي تتقدّم وهدفنا توقيع اتّفاق خلال ولاية الحكومة"، ولفت إلى أن "المشروع التوجيهي لمطار القليعات أنجز، تمهيدًا لإطلاقه وزرنا الجنوب والشمال والبقاع لدرس الحاجات"، مؤكدًا أننا "اعتمدنا آليّة جديدة للتوظيف في القطاع العام تقوم على الكفاءات من أجل تحسين الخدمات ونعمل على تحويل مكتبة بيروت العامّة إلى مركز ثقافي وإلى تجديد مدينة كميل شمعون الرياضيّة".
أضاف: "أما على المستوى الإقليمي، فقد اتّخذنا قرارًا واضحًا بإعادة وصل لبنان بعمقه العربي، لاستعادة موقعه الطبيعي كشريك فاعل في مسارات التنمية، وتنشيط التجارة البينية، وجذب الاستثمار. ولهذا الهدف، قام فخامة رئيس الجمهورية بزيارات خارجية، فيما شاركتُ بدوري في القمة العربية في بغداد، وزرت المملكة العربية السعودية، والإمارات، وسوريا. لم تكن هذه المحطات مجرّد زيارات بروتوكولية، بل خطوات عملية لإعادة تفعيل علاقات لبنان مع محيطه العربي، والانخراط مجددًا في ديناميكيات التعاون الإقليمي. المنطقة تمرّ في تحوّل تاريخي، ولبنان لا يمكن أن يبقى على الهامش. لا نهوض خارج عمقه العربي، ولا مستقبل من دون شراكة قائمة على الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة".
وفي ما يتعلق بملفّ "إعادة الإعمار"، أشار سلام إلى أنّ "إعادة الإعمار ليست مسألة هندسية أو مالية فحسب، بل هي أيضًا عملية سياسية واقتصادية واجتماعية تهدف إلى تثبيت الناس في أرضهم، واستعادة ما دمّرته الحرب من ثقة، وبُنى، وكرامة".
وأضاف، "لقد تعهّدنا بإعادة بناء ما دمّره العدوان الأخير، ونعمل على إطلاق جهود الإعمار ضمن أطر شفافة ومسارات خاضعة للمساءلة والمحاسبة. وفي هذا الإطار، أمّنا حتى الآن قرضًا بقيمة 250 مليون دولار من البنك الدولي لتمويل مرحلة إعادة الإعمار الفوري، بانتظار إقراره في مجلس النواب. كما نعمل بالشراكة مع وكالات الأمم المتحدة على تنفيذ مشاريع تفوق قيمتها 350 مليون دولار في الجنوب، تغطي قطاعات التعليم، والصحة، والمأوى، والأمن الغذائي، ضمن خطة دعم تمتد لأربع سنوات. ونؤمن أن مشروع إعادة الإعمار لا يكتمل من دون دعم أشقائنا العرب. من هنا، نتطلّع إلى مساهمة فاعلة تُعيد بناء ما تدمّر، وتُعزّز قدرة لبنان على النهوض. كما نعمل بالتوازي على التحضير لمؤتمر دولي لإعادة الإعمار، من المتوقع عقده خلال الأشهر المقبلة، ليكون محطة جامعة لتكثيف الدعم وتنسيق الجهود تحت قيادة الدولة اللبنانية ووفق أولويات واضحة".
ومن جهته أشار عربيد، إلى أننا "إذ ننطلق اليوم إلى غد آخر، مختلف ومليء بالأمل والحذر في آن واحد، نقدم هذا الدور الجديد المتبلور للمجلس، ليكون في خدمة الزخم المولود من إرادتكم وإرادة فخامة الرئيس واللبنانيين بالبحث عن الدور والمكانة والذات في عالم يعلو فيه ضجيج الطموحات الفردية والجمعية، وتتوحش فيه الوسائل، وتئن فيه الأرواح المتطلعة إلى عدالة مفقودة في كل مكان.
وأوضح أنّ "المجلس اليوم يمثل صلة الوصل المجسدة والممأسسة، واستطلاع الرأيِ الدائم والمستمر، وأداة القياس لحقيقة المناخ العام، ومختبر نقاش الخيارات قبل انتخابِ القرارات، ثم تلمس أثر السياسات استباقيًا، من قبل أصحاب الاختصاص والمصلحة والمعرفة. وهو مكسب إضافي للدولة، لكنه اليوم بحاجة إلى الاحتضان والرعاية، وإلى تعزيزه بجهازٍ إداري في الحد الأدنى من العديد والموارد، لمواكبة الرغبة الصادقة بالخدمة العامة التي يصر الأعضاء المتطوعون على تأكيدها".
أضاف: "إن رسم السياسات العامة الرشيدة يستوجب مقاربة العمل المؤسساتي من منظار الشمول والتخصص، والتمثيل الصحيح للقطاعات. لذلك نتطلع إلى صدور مرسوم الهيئات الأكثر تمثيلًا، الذي يمكن أن يرشق عمل المجلس، ومخرجاته"، واستطرد عربيد: "إن أولويتنا كمجلس تتمحور دائما حول القضايا الاجتماعية كهدف أكبر للسياسات الاقتصادية، إذ لا "اجتماعي" من دون "اقتصادي"، ولا "اقتصادي" من دون "سياسي".