شربل صيّاح

شبح فيليب حبيب

شكّل إعلان الرئيس السوري أحمد الشرع أمس عن الشعار الجديد للجمهورية السورية تطورًا رمزيًا لكن ثقيل الدلالة، خاصة في التوقيت والمضمون.

هذا الإعلان يأتي في لحظة تحوّل إقليمي حرج، حيث تتقاطع ملفات النفوذ، الأمن، والطاقة بين سوريا من جهة ولبنان وحزب الله تحديداً من جهة أخرى.


في هذا السياق، تعود المقاربة الأميركية الفيليب حبيبيّة للملف اللبناني إلى الواجهة.

الثابت الأميركي في إدارة الملف اللبناني – تفويض الوظيفة لا السيادة

منذ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية، انتهجت الولايات المتحدة سياسة تقوم على تفويض “الوظيفة الأمنية والسياسية” في لبنان لقوة إقليمية قادرة على ضبط المشهد، لا على دعم سيادته بالمطلق.


في التسعينيات، كان هذا الدور من نصيب النظام السوري في عهد حافظ الأسد ولاحقًا نجله المخلوع، بغطاء إقليمي ودولي، وتحديدًا بعد مؤتمر مدريد واتفاق الطائف.



قد يظهر اليوم، من جديد، ما يشبه محاولة إعادة تفعيل هذا النموذج الوظيفي، ولكن بنسخة معدّلة،

يكون فيها نظام أحمد الشرع، إن ثبت استقراره الإقليمي، الخطّة البديلة في حال عجزت الدولة اللبنانية عن التعامل مع مسألة سلاح حزب الله.


وذلك عبر تحجيم معابر حزب الله الاقتصادية والعسكرية والسياسية على طول الحدود اللبنانية - السورية.



فيليب حبيب وتوم برّاك، أولاد العمّ

فيليب حبيب، المبعوث الأميركي من أصل لبناني، مثّل الوجه الرسمي للسياسة الأميركية في لبنان إبان اجتياح 1982.


كانت مهمته واضحة: منع انفجار إقليمي واسع مع الحفاظ على التفوق الإسرائيلي، وإخراج منظمة التحرير من بيروت.


نجح حبيب في التفاوض على خروج آمن للقيادة الفلسطينية، وتم ذلك ضمن تفاهم غير مباشر مع دمشق.

المقاربة آنذاك لم تكن تقوم على دعم بسط سيادة الدولة اللبنانية، بل على احتواء الانفجار اللبناني بما لا يهدد مصالح واشنطن وتل أبيب.



في مقابل فيليب حبيب الرسمي، يمثّل توم برّاك نموذجًا من الدبلوماسية غير الرسمية التي تؤثّر في القرار الأميركي من خارج المؤسسات.



وهو رجل أعمال لبناني الأصل مقرّب من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وكان من أبرز الأصوات الداعية إلى إعادة تأهيل النظام السوري بوصفه شريكًا محتملًا في “إدارة الاستقرار” في المنطقة، لا سيما في لبنان.

هذه المقاربة مثّلت عودة أميركية إلى سياسة التفويض، التي تجنّبت المملكة العربية السعودية إعادة خوضها مجددًا،

فجاء الزعيم "السني" الثاني في المنطقة ليخوضها بنفسه.



سوريا الشرع – شعار جديد لوظيفة قديمة؟

إعلان أحمد الشرع شعارًا جديدًا للجمهورية السورية لا يمكن قراءته فقط في بعده الرمزي، بل يحمل إشارة إلى رغبة النظام في إعادة تقديم سوريا كفاعل استقرار إقليمي.



يبدو الرئيس الشرع مستعدًا بدعم أميركي مطلق وربّما دعم روسي غير معلن — للعب دور في “ضبط” التوازن في المنطقة،

خاصة عند حدود البقاع والقلمون، حيث ما زالت حتى الآن وبشكل ضئيل، تمر معظم خطوط الإمداد الحيوية لحزب الله.



المعادلة واضحة: إذا لم يبادر الحزب إلى تسليم سلاحه، تطبيقاً لورقة توم برّاك، فقد يجد نفسه معزولًا جغرافيًا ومخنوقًا لوجستيًا،

خاصة مع تزايد العقوبات، والتضييق الحدودي المحتمل من الجانب السوري بضوء أخضر أميركي.



الفرق الجوهري في المقاربة الفيليب حبيبيّة هو تبدّل الأدوار، فالطرف الذي قد يُفوّض اليوم هو نفسه من كان حليفاً للحزب في السابق، أعني سوريا "الشقيقة".

علّمني التاريخ أن الأميركيين لا يتغيرون، وسوريا الشقيقة ستبقى حاضرة في الساحة اللبنانية، ولبنان يبحث دائمًا عن دور خارج سلّم أولوياته.