شربل صيّاح

ويليام شكسبير: لبّيك يا حزب الله!

يتجه البعوث الأمريكي توم برّاك نحو زيارة جديدة لبيروت نهار الإثنين المقبل، حاملاً ورقة طريق تتضمن محاولة لإخراج لبنان من مأزق السلاح غير الشرعي لحزب الله. هذه الزيارة ليست مجرد حلقة ضمن مسلسل سياسي لبناني داخلي، بل هي استحضار لصراع أكبر على مستقبل لبنان، الذي ظل منذ عقود مسرحاً لتقاطع مصالح إقليمية ودولية متشابكة.


في فجر هذا اليوم، وجهت الرئاسة اللبنانية إنذاراً لحزب الله، مطالبة إياه بالرد على ورقة برّاك. هذه الخطوة تعكس مدى الإلحاح والضغط الذي تتعرض له الدولة اللبنانية لاستعادة سيادتها، لكنها في الوقت نفسه تكشف هشاشة المشهد الداخلي الذي يواجه سطوة ميليشا مسلّحة، لا تخضع لأي قواعد ديمقراطية أو مؤسساتية، بل تختزل وجودها في سلاح يُعدّ أداة وجوده الأولى والأساسية.


الحوار مع حزب الله، خاصّة في مقاربة سلاحه، ليس مجرد منازلة سياسية أو تفاوض على أوراق تفاهم، بل هو صراع وجودي بينه وبين الدّولة اللّبنانية. فالأخيرة، بما تمثله من شرعية وطنية، تحاول استعادة سيادتها عبر مقاربة ليّنة نوعاً ما، فيما حزب الله يرفض هذه الشرعية بكل ما يعنيه من رفوضيّة. والملفت أنّ بعض الوسائل الإعلاميّة التابعة له، تسرّب في بعض الأوقات أنّه جاهز للتفاوض في مسألة سلاحه، بينما يخرج نعيم قاسم من مخبئه لينفي هذه التسريبات ليؤكد على تمسكّه بسلاحه الهشّ.


طبعاً حزب الله متمرّس بالإخراج.


من هنا، يصبح أي حوار حول سلاح حزب الله حواراً فاقداً للمشروعية أو النتيجة، لأن الطرف الثاني لا يتحاور من موقع دولة، بل من موقع قوة مسلحة تعلو على القانون. وعليه، فإن الدولة اللبنانية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بتبنّي مقاربة جديدة وأصلب، لا تتيح مجالاً للمساومة على مسألة سيادتها. فهي تحتاج إلى مقاربة تعتمد على فرض قواعد اللعبة، وتوحيد القرار السياسي والسلطة العسكرية في مؤسسة الدولة.


فإنّ أتت إجابة سلبيّة على مقترح برّاك، ستزيد إسرائيل، حُكماً، حملتها العسكرية على لبنان، وربما بتصعيد عنيف، لتقليص ما تبقّى من مواقع قد تؤثّر على أمنها في الشّمال. سوريا الجديدة، تستعدّ أيضاً للعب دور أكثر فاعلية في ضبط حدودها وتحجيم حزب الله لوجستيّاً عبر حصره جغرافياً طوال الحدود السّورية اللّبنانية.


في هذه اللحظة الدقيقة، تقف الدولة اللبنانية أمام ما قد يكون فرصتها الأخيرة. ليس فقط لاستعادة سيادتها، بل لإعادة تعريف نفسها كدولة مؤسسات لا كظلّ لدولة موازية. فإمّا أن تمسك بزمام المبادرة وتشق طريق الإنفراج، عبر مقاربة صلبة، سيادية، ومسؤولة… وإمّا أن تترك الأمور تنزلق إلى انفجار سياسي – وربما أمني – تعجز عن احتوائه لاحقاً.


أما حزب الله، فيبدو في موقع من يراقب المشهد وكأنه داخل مسرحية هاملت لويليام شكسبير، ملوّحًا بجملته الخاصة: "بسلاحي أكون، وبلا سلاحي لا أكون".


و بالتّالي، إما أن تنتصر الدولة على النص المسرحي الذي فرضه السلاح، أو يسدل الستار مجدداً على مشهد لبناني مألوف: انهيار الدولة، وبقاء السلاح.