د. ميشال الشماعي

لا انتخابات نيابية لا مبكرة ولا حتّى في موعدها

7 تشرين الثاني 2020

02 : 00

التغيير الحقيقي للسلطة يتمّ وِفق قاعدتين: القاعدة الديموقراطية التي تتحقّق بانتخابات نيابية تنتج سلطة تنفيذية لتدير شؤون البلاد، أو بثورة تطيح بالمنظومة الحاكمة. وفي لبنان، تتحكّم منظومة معروفة التوجّه السياسي منذ العام 1992 وحتّى اليوم، ولقد حاول اللبنانيون تغييرها بالطريقتين المذكورتين. لماذا لم يكتب لمحاولاتهم النجاح؟ وما هو السبيل إلى التغيير؟

لقد حاول اللبنانيون من خلال مشاركتهم بالانتخابات النيابية التي جرت من العام 1992 وحتّى العام 2005، ولكن اقتصرت محاولاتهم على مجرّد خروقات فردية، لم تستطع أن تحقّق التغيير المنشود إلا بعد تكتّلها في ما عرف بلقاء قرنة شهوان وبعده بلقاء البريستول وصولاً حتّى حركة 14 آذار. وبالرغم من مشاركتهم بالانتخابات النيابية وفوزهم بالأكثرية في العام 2005، إلا أنّهم لم يتمكّنوا من الحكم.

كذلك اختبر اللبنانيون ثورتين في الفترة المُمتدّة من العام 1992 وحتّى العام 2020، لكن اقتصرت نجاحات هاتين الثورتين على تظهير حركة ثوروية ذات وعي ثوروي، لكنّهما لم تستطيعا تحقيق التغيير المنشود. ففي العام 2005، بالرغم من المروحة الواسعة التي ضمّتها حركة 14 آذار بثورتها البيضاء، إلا أنّه تمّ إسقاطها بضربتين قاضيتين: الأولى بالتصفيات والإغتيالات الجسدية، والثانية بالديموقراطية التعطيلية التي عطّلت درب المؤسسات التي سلكتها هذه الحركة.

أمّا ثورة "17 تشرين" فاستفادت السلطة الحاكمة من مسألتين، لا بل قُل خطأين جوهريين ارتكبتهما هذه الثورة وهما: غياب مجلس قيادة لها، وتعدّد المطالب وارتفاع سقفها حتّى بات يطال عملية ضرب للاستبلشمنت والكيان بشكل مزدوج، وإن من البوابة الاقتصادية – الاجتماعية. لقد استغلّت السلطة الحاكمة هاتين الثغرتين مُستفيدة من قدرتها الأمنية، فضربت هذه الثورة بالعنف أحياناً وبالسياسة أحياناً أخرى، ولو قليلة.

من هنا، فشل اللبنانيون في تحقيق التغيير الذي يطمحون إليه بالرغم من أنّهم أكثريّة، ولو أنّ نصفها صامت موجود في قلب الفريق الحاكم، وهذا النصف يعاني من رهاب السلاح وفائض القوّة حتّى بتنا أمام ظاهرة نفسية جديدة نستطيع إطلاق عليها تسمية: "سلاحوفوبيا". ولن ينجح اللبنانيون بتحقيق هذا التغيير إلّا إذا نجحت هذه الفئة بالتخلّص من هذا الرّهاب الذي نجح بدوره، لا بل امتدّ وهجه إلى بعض من الشارع المسيحي فأرضخه في 6 شباط 2006.

هذا الرّهاب عينه هو الذي ضرب ثورة 14 آذار ونجح، وكذلك استعمل لضرب ثورة 17 تشرين ونجح أيضاً؛ واستعمل بالطريقة الناعمة تحت بدعة الديموقراطية التعطيلية فنجح بالتعطيل حتّى وصل إلى إفشال نتائج الديموقراطية. أمّا اليوم مع تبدّل الاستراتيجيات الدولية وسقوط أكذوبة مقاومة إسرائيل، علّة وجود هذا الرِّهاب، فأصبحت إسرائيل على حدود إيران التي قاتلت واستشرست طوال عقود ثلاثة لتصل إلى حدودها؛ فاستيقظت إيران ومَن معها لتجد إسرائيل تقرع أبوابها الحدودية من خلال اتفاقات السلام الثنائية التي بدأت بتوقيعها. مع هذا التبدّل لم يعد مُجدياً استعمال الوسائل الرِّهابية عينها؛ ولعلّ من أبرز إنجازات ثورتي 14آذار و17 تشرين، بالرغم من الفارق الزمني بينهما، أنّهما قد أسقطتا هذا الرهاب عند معظم اللبنانيين.

لذلك كلّه، بعدما أيقن طرفا الصراع في لبنان أنّ التغيير الحقيقي يجب أن ينطلق من داخل المؤسسات الدستورية، وهنا تبرز أهمّية المقاومة الدستورية وعدم الإستقالة من المؤسسات إلا في حال إسقاط الميثاقية. وبما أنّ فريق السلطة لمس أنّه قد تمّ إسقاط رهاب السلاحوفوبيا، وبعدما لم يستطع الدستوريون وحدهم صدّ الديموقراطية التعطيلية بسبب رضوخ مَن وجب عليهم أن يكونوا في صلب المقاومة الدستورية الإذعان لرهاب السلطة، سيلجأ فريق السلطة إلى شلّ الإنتخابات النيابية بعدما نجح بتفشيل تقريب موعدها، ليحافظ على مكتسباته الدستورية في هذا المجلس الشرعي أمام المجتمع الدولي، ليستطيع انتخاب الرئيس المقبل للجمهورية بالمواصفات الإنهزامية التي يريدها. وإن لم يستطع تحقيق ذلك، سنكون أمام فراغ رئاسي جديد مع مجلس نيابي مُمدّد له. فهل سيستطيع الدستوريون الإستفادة من أيّ مومنتوم دولي جديد لقلب الموازين؟ أم قد يفتعل الفريق الحاكم مومنتوم جديد كـ 14 شباط، أم قد يخاف من أن ينقلب عليه؟ أم أنّ الشارع اللبناني سيستعيد دينامية ثورته ليجذب إليه مَن رضخوا لرهاب السلاحوفوبيا؟


MISS 3