محمد علي مقلد

ناضلنا ضدّ استعمار غير موجود

18 تشرين الثاني 2020

02 : 00

على ذِمّة فرناند بروديل، بدأ النزوع الإستعماري للرأسمالية بسقوط غرناطة واكتشاف أميركا، أي في العام 1492. وعلى ذِمّة إريك هابزباوم، توزّعت ستّ دول أوروبية مساحة المعمورة كمستعمرات بين عامي 1876 و1915.

طيلة الفترة الممتدّة من التاريخ الأبعد، 1492، حتّى الأقرب، 1915، لم يخضع المشرق العربي للسيطرة الإستعمارية، بل كان جزءاً من السلطنة العثمانية. ومن صُدف التاريخ أنّ المرحلة الإستعمارية، وهي وليدة الحضارة الرأسمالية، تزامنت بولادتها وموتها مع حكم السلطنة، فلم يترك التاريخ لبلدان المشرق العربي فسحة للوقوع تحت سيطرة الإستعمار، بل إن هذه المنطقة انتقلت من السيطرة العثمانية إلى الإستقلال مباشرة، بمساعدة الإنتداب الفرنسي الذي أسّس الدولتين السورية واللبنانية، والإنكليزي الذي أسّس الدولة العراقية وساعد على تأسيس الكيان الصهيوني. ففي لبنان، تمّ الإعلان عن لبنان الكبير عام 1920، وعن الدستور اللبناني عام 1926، وعن الإستقلال عام 1943.

الحرب العالمية الثانية أعلنت نهاية الإستعمار بصيغته القديمة أي الإحتلال المباشر، باستثناءات قليلة على الكرة الأرضية من بينها في العالم العربي تونس التي استقلّت في الخمسينات، والجزائر في الستينات من القرن العشرين. إذن ما هي العناصر التي استندت إليها بعض التحليلات لتتّخذ موقفاً سلبياً من اتفاقية سايكس بيكو ثمّ من لبنان الكبير في ما بعد؟

من بين الحجج التي استخدمها المعترضون على لبنان الكبير اعتقادهم أنّ لبنان هو صنيعة استعمارية. مئوية كاملة والمشرق العربي، ومنه لبنان، يعيش التباساً مزدوجاً. فهو من جهة، يطالب بالتحرّر من الإستعمار، مع أنّ نهاية الإستعمار في العالم تزامنت مع استقلال الدول العربية، ويظنّ من جهة أخرى، أنّه أنجز استقلاله بجلاء القوات الأجنبية الغربية، مع أنّ فترة الإنتداب القصيرة ساعدت الولايات في المشرق العربي على التحرّر من سيطرة السلطنة العثمانية، وعلى بناء دولها، على غِرار ما حصل في أوروبا بعد الثورة الفرنسية. هذه الحقائق عن تاريخ الإستعمار لا تلغيها جريمة الإنتداب الإنكليزي الذي تولّى حلّ المشكلة اليهودية في أوروبا على حساب الشعب الفلسطيني. ذلك أنّ بناء الأوطان الثلاثة في المشرق العربي، مُضافاً إليها تمويل الإستيطان في فلسطين وتنظيمه وحمايته وإقامة دولة في شرق الأردن، كل ذلك هو صنيعة الإنتداب.

في السادس من أيار عام 1916، نصب جمال باشا السفّاح المشانق، وأعدم نخبة من مثقفي لبنان وسوريا بتهمة التعامل مع الغرب ضدّ السلطنة. بعد عامين، سقطت السلطنة وحلّت القوات الفرنسية والإنكليزية محلّ الجيش الإنكشاري. وبعد ثلاثة أعوام أخرى، تمّ الإعلان عن لبنان الكبير، وبدأ اللبنانيون وكذلك السوريون، كلّ على حدة، يتدرّبون على بناء الدولة، في فترة تمهيدية قبل إعلان الإستقلال. فهل يعقل أن يكون المقصود بالإستقلال التحرّر من ثلاث سنوات من الإنتداب الفرنسي، لا من أربعة قرون من حكم السلطنة العثمانية؟ التركيز على خطر استعمار غير موجود، وهو من اختصاص الممانعة، والتركيز عموماً على دور العامل الخارجي، وهو موجود طبعاً، ليس سوى دفاع عن أنظمة الإستبداد وتهرّب من بناء الدولة الحديثة الديموقراطية، في لبنان كما في كلّ العالم العربي.

النضال ضدّ الإستعمار هو جزء من الثورة المضادّة، مهمّته حماية الإستبداد.