لوسي بارسخيان

الصحافة الزحلية في زمن تساقط الإصدارات الورقية...

24 تشرين الثاني 2020

02 : 01

بعض أرشيف "زحلة الفتاة" المحفوظ في البلدية

أثار ضبط بطاقات صحافية مزوّرة تُستخدم لخرق قرارات التجوّل بالسيارات خلال فترة الإغلاق القائمة، موضوع فوضى صفحات ومواقع التواصل الإجتماعي التي فرّخت بالمئات في السنوات الماضية، غازية الخصوصيات بغزارة أخبار تفتقد الى جودة التخصّص.

وزحلة (وصحافتها) ليست بعيدة من هذه الفوضى، لا بل لم تُسعِفها سمعتها كمدينة للقلم، للإرتقاء بمحتوى هذه المواقع الى حجم الإرث الصحافي الذي خلّفه جيل كتاب وصحافيين إلتصقت أقلامهم بتاريخ المدينة وقضاياها.

يكفي أن توضع كلمة زحلة بالعربية أو الإنكليزية في خانة بحث صفحة "فيسبوك"، حتى تقفز على الشاشة عشرات الصفحات، طوّر بعضها هيكلية تدار عبر المواقع الإلكترونية، فيما معظمها إكتفى بما يوفّره تطبيق "فيسبوك"، ليطفح بكمّ من المنشورات والأخبار المنسوخة عن مواقع أخرى، أو تغريدات إنتشرت عبر صفحات كاتبيها. أما الجهد الصحافي الإستقصائي أو حتى التحليلي فمفقود، وإن تميز بعضها برأي يقارب قضايا تمسّ الزحليين أحياناً. هي مناسبة إذاً للحديث عن أفول زمن الصحافة الزحلية، ليس فقط بمعناها الورقي، وإنّما بمحتواها النوعي الذي تميّزت به على مدى قرن تقريباً، شكّلت خلاله الوجه الآخر لتاريخ المدينة، وساهمت بتوثيق معظم أحداثه. ولصحافة هذا الزمن صحافيون أدّى معظمهم أدواراً بارزة، ليس فقط كمؤثّرين بالرأي العام، وإنما بتقرير مصير زحلة ولبنان عموماً. بدءاً من "زحلة الفتاة" التي، وإن لم تكن أقدم الصحف الزحلية، إذ سبقتها "المهذّب" التي أصدرها المؤرّخ العلّامة عيسى اسكندر المعلوف سنة 1907 و"زحلة"، و"العصر" و"البردوني"، فإنها كانت أعرقها وأطولها عمراً، فبقيت تصدر لنحو قرن تقريباً، الى أن انكسر قلمها تحت ضغط الأعباء الإقتصادية.

أصدر"زحلة الفتاة" سنة 1910 كلّ من ابرهيم الراعي، بشارة قريطم وشكري البخاش، لترتبط شهرتها بجرأة الأخير في إثارة القضايا الوطنية. وقد إستفردت "الفتاة" بالساحة قبل أن تظهر"الوادي" التي أصدرها الصحافي ندره ألوف سنة 1930، وضمّت إليه نخبة من الأدباء كالشاعر سعيد عقل وشبل دموس والياس ربابي.

سنة 1952 صدرت أيضاً "البلاد" على يد الدكتور أنيس مسلّم، عميد كلية الإعلام لاحقاً، وصديقه الكاهن جورج إسكندر الذي صار مطراناً لزحلة، لتشكّل الثلاثية الصحافية الأقوى في المدينة.

وقد كان للكلّية الشرقية في زحلة دور بارز في ولادة أقلام تركت تأثيرها في عالم الصحافة اللبنانية والأجنبية. فانطلق هؤلاء من مجلّة "الشرقية" التي صدرت بالتعاون بين أساتذة الكلّية وتلاميذها، بعدما سلّحتهم بملكة لغوية طاروا بها الى مختلف الأرجاء، واحتلّوا المنابر، سواء في مجال الصحافة أو الأدب والشعر، ليتركوا فيها بصمة زحلية. ومن هؤلاء: نجم حتّي، اميل الصدّي، جوزف الصايغ الذي افتُقد أخيراً في باريس تاركاً توقيعه في أكثر من صحيفة محلية وأجنبية، وديع السكاف، أنيس مسلم، موسى المعلوف، وجان بخاش الذي استلم شعلة "زحلة الفتاة" من والده، وجميل نقولا ألوف الذي تابع نشر "الوادي"، ولاحقاً الصحافيان الراحلان ادمون صعب وانطوان أبو رحل.

الى هؤلاء برز من الصحافيين "المُجايلين" أيضاً جورج سكاف الذي صار لاحقاً وزيراً، وأنطوان الحاج شاهين ناشر "المرجع" الذي كان أيضاً من المساهمين في إصدار الوادي، بالتعاون مع أنطوان زرزور الذي نشر في فترة ما بعد الطائف أيضاً مجلتي "العصر" الناطقة بإسم "الكتلة الشعبية" ومن ثمّ "الروابي".

الحرب الأهلية كانت مفصلاً للإنتقال الى باقة أخرى من الصحف الزحلية، بقي محتوى أعدادها الأسبوعية إخبارياً، ولكنّها تميزت بتنافسية في محتوى أعدادها السنوية، لما شكّلته من بحث في تاريخ المدينة وتراثها وخصوصياتها. ومن هذه الصحف "الكلمة"، "الأولى"، "أصداء زحلة والبقاع"، "العصر" و"الروابي" التي بقيت تصدر بأعداد أسبوعية وسنوية حتى الشهر الأخير من سنة 2019. مع بداية استفحال الأزمة الإقتصادية القائمة، تساقطت كلّ هذه الصحف ورقياً، إستمر بعضها بالصدور الكترونياً، ولكن من دون أن تُخرجها خبرة القيمين عليها من دوامة التنافسية "الصفراء" لجيش إلكتروني غزا الصفحات مع أسماء مواقع إلكترونية أخرى، فلم تقدّم من المحتوى ما يميّزها. إستسهل جميعها أسلوب النسخ واللصق، ولم يقدّم قيمة إضافية تحقّق إستمرار المسيرة التي بدأتها الأجيال السابقة.

وهكذا، بعدما كانت زحلة تزخر بأقلام تخطّت شهرة الإسم الى الدور، صارت متابعة أخبارها بواسطة أشباح لا دور أو حتّى إسم لمعظمهم، لتنضمّ المدينة الى معظم لبنان في إفتقاده لأبرز دورين حدّدهما إبن زحلة إدمون صعب للصحافة: الخدمة والقيادة.


MISS 3