مارادونا... قلبه خذله عن 60 عاماً

رحيل "الأسطورة"

02 : 00

سكتَ قلب مارادونا، أنذره مراراً قبل أن يخذله أمس بُعيد منتصف طريق العمر، طريقٌ غريبة متناقضة سلكها الأسطورة الأرجنتينية، فبقدر ما كانت ناجحة ومكللة بالأمجاد والإنجازات الكبيرة في ملاعب كرة القدم، بقدر ما كانت شاقة ومتعثّرة خارجها. لم تكن حياته مثالية ولا تشبه حياة الكثير من مشاهير الرياضة حول العالم، إضافة الى أنه صاحب شخصية مزاجية ومثيرة للجدل، خصوصاً في العقدَين الأخيرَين من عمره، حيث أصبح مدمناً على المخدّرات التي أرهقت جسده وأتعبت نفسيته، مما إنعكس فشلاً على مهامه كمدرّب للفرق التي أشرف عليها، بعدما كان أبهر أنظار العالم وسرق قلوب ملايين عشاق الكرة المستديرة كلاعبٍ خارق لم يشهد مثله التاريخ وقد لا يتكرّر أبداً في المستقبل.

توفي أمس أسطورة كرة القدم الارجنتينية دييغو أرماندو مارادونا عن 60 عاماً، جراء سكتة قلبية في ضواحي العاصمة بوينس أيرس.

وكان مارادونا المتوّج بلقب كأس العالم العام 1986 والذي يُعدّ أحد أعظم لاعبي المستديرة في التاريخ، قد خضع لجراحة في دماغه مطلع تشرين الثاني الجاري. وأعلن رئيس الجمهورية ألبرتو فرنانديز فوراً الحداد الوطني لـمدة ثلاثة أيام.

ولم يكن مارادونا نجماً رياضياً "خارقاً" وحسب، فهو ليس مثل بيليه أو بكنباور أو دي ستيفانو، فهؤلاء شرّفوا ملاعب كرة القدم العالمية بفنهم الرفيع وهو جاراهم تماماً في ذلك، لكنه تفوق عليهم حتماً في احتلال العناوين العريضة في صفحات الصحف، إنما لأسباب اخرى لا يمكن وضعها دائماً في خانة الايجابيات.

لقد شغل مارادونا العالم بمواهبه ومشكلاته وحتماً سيتذكره الجميع بأنه ذلك اللاعب الذي ربح العالم بعبقريته وخسر نفسه بسبب المخدرات وابتعد عن ملاعب كرة القدم مرغماً، بعدما خدّر هذا المنشط اسلوبه وفنه ونقله من امام المرمى الى رهبة القضاة والمحاكم وأروقة المختبرات الطبية.

وُلد دييغو مارادونا في 30 تشرين الاول 1960 في لانوس إحدى ضواحي بوينس ايرس الفقيرة.

بدأ مسيرته مع نادي أرجنتينوس جونيورز قبل عيد ميلاده السادس عشر، واستهل مشواره مع منتخب بلاده العام 1977. وقال بعمر السابعة عشرة: "لدي حلمان، الاول ان اشارك في كأس العالم، والثاني ان أحرزها".

مرّ مارادونا، الذي اختير رياضي القرن في الارجنتين، في علاقاته مع بطولات كأس العالم بشتى المراحل بحلوها ومرّها على مدى 16 عاماً.

بدأت علاقة الولد الذهبي "بيبي دي أورو" للكرة الارجنتينية بالمونديال بخيبة امل عندما تجاهله المدرب سيزار لويس مينوتي لدى اختيار تشكيلته الرسمية لمونديال 1978 لصغر سنه وافتقاده الى الخبرة. وقال مارادونا بعد استبعاده: "إنه اليوم الاكثر تعاسة في حياتي، عندما اعلمني مينوتي بأنه اختار لاعباً آخر مكاني عدت الى غرفتي وأجهشت بالبكاء".

وتابع مارادونا مباريات منتخب بلاده على شاشة التلفزيون وشاهد دانيال باساريللا قائد المنتخب وماريو كيمبس هداف البطولة يقودان الارجنتين الى إحراز لقبها الاول وسط فرحة هستيرية في الشوارع الارجنتينية.



حاملاً كأس العالم 1986 (أ ف ب)



البدايات

لكن مارادونا كان في عداد تشكيلة مينوتي العام التالي ليقود بلاده للفوز بكأس العالم تحت 20 عاماً في اليابان، حيث احرز جائزة افضل لاعب.

شارك في مونديال اسبانيا 82 للمرة الاولى، وكانت فرصة للتعويض عما فاته في كأس العالم السابقة. ولأن الارجنتين كانت حاملة اللقب، سلطت الانظار عليها ونال مارادونا قسطاً من الاضواء، خصوصاً انه كان وقع عقداً للانتقال الى برشلونة الاسباني. وعلى رغم تسجيله هدفين، فإن حادثة طرده في المباراة ضد البرازيل في الدور الثاني بقيت عالقة في الاذهان.

بلغ الذروة العام 86 في مونديال مكسيكو عندما قاد منتخب بلاده الى اللقب الثاني بعد 1978. ويمكن إطلاق اسم مونديال مارادونا على كأس العالم 86، لأن النجم الارجنتيني طبع البطولة بطابعه الخاص وكان عزفه المنفرد مفتاح الفوز على كل من كوريا الجنوبية وايطاليا وبلغاريا والاوروغواي.

"يد الله"

وكانت المباراة ضد انكلترا مشهودة لأنها اتخذت طابعاً سياسياً من جراء حرب المالوين بين الدولتين وقد سبقتها حرب كلامية بين المعسكرين. انتهى الشوط الاول بالتعادل السلبي، وفي مطلع الشوط الثاني سجل مارادونا هدفاً بيده في مرمى الحارس بيتر شيلتون فاحتج الانكليز طويلاً، لكن الحكم التونسي علي بن ناصر لم يكترث وأصر على احتساب الهدف. واعترف مارادونا بعد المباراة بأنه استعمل يده للتسجيل معتبراً انها "يد الله" بحسب قوله.

وبعد اربع دقائق سجل مارادونا واحداً من اجمل الاهداف في تاريخ كؤوس العالم، إذ قام بمراوغة ستة لاعبين انكليز، بمن فيهم الحارس قبل ان يودعها في شباكهم.

وفازت الارجنتين على بلجيكا في نصف النهائي، وتأهلت لخوض المباراة النهائية بمواجهة المانيا الغربية.

وفرضت رقابة لصيقة على مارادونا في النهائي وتقدم منتخب بلاده 2-صفر، ثم ادركت المانيا الغربية التعادل 2-2 قبل النهاية بنحو 13 دقيقة، ولأن مارادونا كانت له اليد في معظم اهداف منتخب بلاده، فإنه مرر كرة امامية الى خورخي بوروتشاغا الذي انفرد بالحارس الالماني وسجل هدف الفوز 3-2.

وفي مونديال ايطاليا 90، ذرف مارادونا دمعة شهيرة بعد خسارة النهائي امام المانيا الغربية. آنذاك قاد منتخب بلاده تقريباً بمفرده، قبل ان يسقط بركلة جزاء متأخرة.

ودّع مارادونا المونديال من الباب الضيق بسبب حادثة المخدرات التي كان بطلها في مونديال الولايات المتحدة 94.

تعملق في المباراة الاولى ضد اليونان وقاد الارجنتين الى فوز كبير (4-صفر) وسجل هدفاً رائعاً وخاض الدقائق التسعين بأكملها.

حافظ على مستواه في المباراة الثانية ضد نيجيريا، لكنها كانت الاخيرة له بعد ثبوت تناوله منشطات من خمس مواد ممنوعة، فسحبه الاتحاد الارجنتيني من صفوف المنتخب قبل ان يوقفه الاتحاد الدولي 15 شهراً.



آخر صورة لمارادونا بعد خضوعه لعملية في رأسه (أ ف ب)



"لن أكون رمادياً"


وتميز مارادونا دوماً بشخصية نافرة خلافاً للاسطورة البرازيلية بيليه الديبلوماسي "أنا أسود أو أبيض، لن أكون رمادياً في حياتي".

كان قصيراً (1.65 م)، قوياً وسريعاً. كان أيضاً شرساً ومقاتلاً عنيداً رفض الخضوع، حتى عندما حاول اعتى المدافعين منعه من الوصول الى المرمى. لكن الأهم من كل ذلك انه كان موهوباً ومبتكراً، بل عبقرياً.

على صعيد الاندية، انتقل الى نادي بوكا جونيورز في 1981 محرزاً معه لقبه المحلي الوحيد. ترك بصفقة قياسية الى برشلونة في 1982، ومعه اكتفى بلقب الكأس المحلية في 1983. غاب لفترة طويلة بعد اعتداء لاعب اتلتيك بلباو اندوني غويكوتشيا عليه وكسر كاحله، ما مهد لانتقاله الى الدوري الايطالي.

كان العلامة الفارقة في تاريخ نادي نابولي الجنوبي (1984-1991). عرف معه مجداً محلياً وقاده الى احراز لقب الدوري في 1987 و1990، والتتويج بلقب كأس الاتحاد الاوروبي 1989.

لكن مارادونا عاش حياة صاخبة خارج الملاعب. أكد مراراً ان اصعب منافسة خاضها منذ احترافه هي التوقف عن المخدرات، علماً أنه أنفق الكثير من المال للتخلص من هذه الآفة. سافر الى جنيف وتورونتو واسبانيا وكوريا الجنوبية ليجد الدواء الشافي في مصحاتها، قبل ان يتعرض لنكسات طبية متلاحقة في السنوات الاخيرة. وبكى مارادونا لحالته عندما عرف انه لم يعد قادراً على فعل اي شيء. وكان سقوط مارادونا في وحول المخدرات ايذاناً بإعلان نهاية مسيرة الولد الذهبي على الصعيد الدولي، ليخرج بالتالي من الباب الضيق.


مدرب متواضع


بعد نابولي، انتقل الى اشبيلية الاسباني لموسم وبعده نيولز اولد بويز المحلي ثم ختم مسيرته في بوكا جونيورز.

في العقدين الاخيرين، تحول الى التدريب. لكن مشواره لم يكن ناجحاً، مع منتخب الارجنتين (2008-2010) او في الامارات العربية المتحدة والمكسيك.

بعد مشكلاته مع المخدرات خضع لإعادة تأهيل. وبعد تركه الكوكايين، وقع في فخ الكحول، السيجار والبدانة لينتهي الامر به في المستشفى العام 2007.

كان مدافعاً شرساً عن الزعيم الكوبي الراحل فيدل كاسترو، وظهر وشم الاخير بشكل واضح على كتفه، كما كان من أنصار الزعيم الفنزويلي هوغو تشافيز.

تزوج صديقته كلاوديا فيلافان العام 1984 ولهما ابنتان: دالما وجانينيا، قبل طلاقهما العام 2004. لديه ولد اسمه دييغو جونيور ولد في نابولي العام 1986، وقد اعترف بأبوته فقط في 2004.


قبل دقائق من الإعلان عن الخبر الذي هزّ العالم بأسره، تداولت الصحافة الارجنتينية أخباراً عن تدهور صحة مارادونا، مشيرة الى انه يتلقى العلاج من قبل الاطباء في منزله شمال العاصمة بوينس أيرس. ونقلت قناة "تي واي سي" الرياضية: "هناك اربع سيارات إسعاف امام مكان اقامته. لقد دعوا أفراد أسرته للقدوم. الامر خطير".


تخللت حياة النجم الأرجنتيني دييغو مارادونا العديد من المشاكل الصحية، كادت بعضها تودي بحياته. فقد تعرض العام 2000 لنوبة قلبية بعد جرعة زائدة من المخدرات، خضع بعدها لعلاج طويل في كوبا. وفي العام 2004، عندما كان وزنه أكثر من 100 كيلوغرام، تعرض لنوبة قلبية أخرى في بوينس آيرس، لكنه نجا. ثم خضع لعملية جراحية في المعدة سمحت له بانقاص وزنه 50 كيلوغراماً.

وفي 2007 اسفر تعاطيه المفرط للكحول عن نقله إلى المستشفى.



الاسطورتان بيليه ومارادونا



بيليه: خسرتُ صديقاً عظيماً


كتب النجم البرازيلي بيليه، الذي لطالما كان اسمه ومارادونا في النقاش عن الاعظم في التاريخ، عبر حسابه على "تويتر": "يا له من خبر حزين. خسرت صديقاً عظيماً والعالم خسر أسطورة".

وتابع بيليه (80 عاماً): "ذات يوم، آمل أن نلعب كرة القدم سوياً في السماء".

كما نعاه مواطنه ليونيل ميسي نجم برشلونة الاسباني والبرتغالي كريستيانو رونالدو والفرنسي ميشال بلاتيني، الذين يعتبرون أيضاً بين أعظم لاعبي المستديرة، على رغم انهم لم يتمكنوا من مجاراة بيليه ومارادونا في معيار أساسي هو رفع كأس العالم.



MISS 3