مريم مجدولين لحام

وقْف التعدّيات على نهر غلبون موقّتاً... متى يحين الإنقاذ الفعلي؟

28 تشرين الثاني 2020

02 : 01

خطر بيئي في غلبون

دخل نهر غلبون في قضاء جبيل دائرة الخطر البيئي، بعدما بدأت مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان مشروع بناء محطة ضخّ للمياه على حافة مجرى النهر، تحت شعار "توفير مياه إضافية لثماني بلدات تعاني من الشحّ في أغلب فصول السنة". لم تجد إلا مجرى النهر لحفر بئر مياه جوفية، مُدّعية بأنّ هذه هي النقطة الوحيدة الممكن سحب مياه منها، وتفاجأ أهالي البلدة بجرّافات وحفّارات وآليات ثقيلة تعمل بدون رخصة، وترمي الردم داخل مجرى النهر بكميّاتٍ هائلة! لا تبرير علمياً وعملياً حتّى الساعة، والأسئلة كثيرة... لماذا انتقت المؤسسة هذا الموقع بالذات، وبدأت الأعمال لأسابيع من دون تراجع عن الجسر، ومن دون تطبيق أدنى الشروط القانونية والأخذ في الاعتبار حائط الدعم للطريق العام، ومن دون اي دراسة اثر بيئي وتحصيل الرخص المطلوبة؟ والأبغض من ذلك، تبين أنّ أعمال الردم ورمي كمّيات كبيرة منها داخل المجرى قد حوّرت المعالم وغيّرت المناسيب، فصار المجرى أعلى ارتفاعاً من العقارات المحاذية لضفّة النهر، وتداعى حائط تدعيم الطريق الرئيسية التي تربط غلبون ببلدة شامات، ومن ثم غسلوا أيديهم من انهيار الحائط الداعم للطريق الرئيسي العام، وادّعوا بأنّ أشغالهم تبعد مسافة متر عن أساساته، مُحمّلين المسؤولية لوزارة الأشغال العامة نسبةً للحائط القديم.

شرح الدكتور ميشال شلهوب لـ"نداء الوطن"، بعضاً من النقاط الهندسية البيئية الخاصة بالمشروع: "اجتمعت بالمؤسسة منذ اكثر من شهر، وسلّطت الضوء على مخاطر السلامة العامة وغيرها. طالبتُ مؤسسة المياه بإبراز دراساتها بالرغم من نواقصها أو غياب أجزاء مهمّة منها. وبعد المماطلة، سلّمونا دراسة فنية وليس دراسة أثر بيئي. وبعد مراجعتها، سلّطت الضوء على الطبيعة الجيو - تقنية لأرض المجرى، وتداعيات إقامة حاجز بوجه عينات الجسر حيث تجري المياه بغزارة في موسمها، وعلى مفاعيل الإنشاءات المستحدثة على الطريق العام وجدارها، وتقدّمت بحلٍّ بديل رفضته مؤسّسة المياه بحجّة أنّ كمّيات كبيرة من الباطون قد تمّ صبّها!"، وتساءل: "هل تحتاج غرفة لضخّ المياه الى إنشاءات وحفريات وردميات ومئات أطنان الباطون؟".

وأضاف: "تسبّبوا لمدّة شهرين بإرتجاجات جرّاء عمل الآليات الثقيلة في مجرى النهر على طول حائط الدعم الموجود، والحفر على كعبه، وتفريغ مئات الأمتار المكعّبة من جواره، وتحميل الأرضية بمئات الأطنان، وتحميل مضخّات الباطون والجبّالات وتوابعها على رأس هذا الحائط. فكلّ تلك العوامل جرّاء الأشغال القائمة، تؤدّي الى تلاشي قدرة الأرضية تحت الحائط على الحمولة وإضعافه وكان من الطبيعي أن ينهار! لقد زوّدتهم بالحلول البديلة منذ شهرين، وحذّرتهم بأنّ أشغالاً كهذه ستسبّب مخاطر انهيار، ولا سيّما حائط داعم لطريق عام رئيسي... ولكن تابعوا... ومنذ أيام انهار الحائط تماماً كما حذّرتهم! لا أحد يستمع للخبراء".

وختم: "إضافة الى ذلك، لا تزال آلاف الأمتار المكعّبة من الردميّات مرمية من قِبَلِهم في النهر، وقد غيّرت مناسيب المجرى، ولا تزال هناك حفريات مفتوحة في عقار يقع على ضفّة المجرى المقابلة للعقار 513 سببها تحويلهم للمجرى بواسطة الآليات!".

من جهته، يشير رئيس الحركة البيئية اللبنانية الخبير بول أبي راشد لـ"نداء الوطن" الى أنّ "الأعمال التي تقوم بها مؤسّسة مياه بيروت وجبل لبنان بموافقة رئيس بلدية غلبون، بعيدة عن الشرعية واحترام القوانين، إذ تشكّل مخالفةً لمواد قانونية عدّة، فالرخصة المسبقة إلزامية لكل الأبنية حتى تلك العائدة للإدارات والمؤسسات العامة والبلديات، ولا تستثني الأبنية العامة العسكرية والتراجع على جوانب الأنهر: وراء خط يبعد عشرة أمتار /10م/ عن حدود مجرى النهر أيضاً إلزامي. والإلتزام بمبدأ تفادي تدهور الموارد الطبيعية، الذي يقضي بأن تتفادى كل النشاطات التسبّب بأيّ أضرار غير قابلة للتصحيح للموارد الطبيعية كالماء والهواء والتربة والغابات والبحر والأنهر وغيرها ضروري. ناهيك عن أنّ مشروع بناء محطة للمياه يستوجب حكماً تقييم الأثر البيئي، كونه من المشاريع التي قد تهدّد البيئة، بسبب حجمها أو طبيعتها أو أثرها أو نشاطاتها. وأنّ القانون يمنع الأشغال على الأملاك العمومية البحرية أو النهرية التي تؤدّي إلى تآكل الموقع أو تدهوره. وهو ما لم يلتزموا فيه نهائياً".

بناء على كلّ ما سبق، تقدّمت الحركة البيئية اللبنانية بتاريخ 11 تشرين الثاني 2020، عبر وكيلها المحامي محمد الزاهد طالب، بدعوى أمام قضاء العجلة في جبيل، مطالبة بوقف الأعمال الجارية في مجرى نهر غلبون من بناء وردميات، كونها تهدّد البيئة والسلامة العامة وتخالف القوانين المرعية الإجراء. وتمّ تعيين خبير لمعاينة المخالفات والذي بدأ تنفيذ مهمّته. وبعد أسبوعين، وبما أنّ النيابة العامة لم تتحرّك، ومؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان اختارت "التطنيش" واستكمال الأعمال، بالرغم من كشف دائرة التنظيم المدني في جبيل على الأعمال الجارية وتصنيفها تحت خانة "المخالفة"، ضمن تقرير جديد صادر عن إدارتها في 24 تشرين الثاني 2020 تمّ إبلاغه لقائمقامية جبيل وللنيابة العامة في جبل لبنان وللقوى الأمنية، ومطالبتها مراراً بـ"وقف الأعمال فوراً وإعادة مجرى النهر والأرض الطبيعية كما كانا عليه سابقاً". عملت القوى الأمنية على وقف الأعمال في مجرى نهر غلبون على عاتق دائرة التنظيم فقط. وهو أمر لن يصمد بطبيعة الحال، وفي غالب الأمر موقّت... فهل ستُحترم البيئة هذه المرة ويعيدون المجرى إلى ما كان عليه، أم سنتابع الملفّ إلى ما شاء الله و"على من تقرأ مزاميرك يا داود" كالمعتاد؟


MISS 3