جاد حداد

Hillbilly Elegy... نظرة واقعية على الروابط العائلية

30 تشرين الثاني 2020

02 : 00

وصلت النسخة السينمائية من مذكرات جيمس ديفيد فانس، Hillbilly Elegy (مرثية هيل بيلي)، إلى شبكة «نتفليكس» وهي مثقلة بالإرث الثقافي والتوقعات العالية لدرجة أن يعجز البعض عن تقدير العمل لما هو عليه. الفيلم ليس ممتازاً ولا مميزاً، لكنه مؤثر وصادق بما يكفي كي يجذب العائلات التي تعاملت مع الإدمان والتعافي والعنف المنزلي والحرمان المادي ومشاكل أخرى تتناولها هذه القصة.

يتنقل الفيلم بين العامَين 1997 و2011 بإيقاع غير متماسك ويروي قصة شخص حساس وذكي ومبدع نشأ في ظروف من الحرمان والاضطرابات وسط أجيال محكومة بتكرار الأنواع التدميرية نفسها من السلوكيات من دون مغادرة المكان الذي رسم حياة الناس هناك. «جي دي» (غابريال باسو في سن الرشد وأوين أستالوس في سن المراهقة) هو ولد محترم وطليق اللسان وعاطفي من بلدة لا مستقبل فيها، لكنه يقصد في نهاية المطاف كلية الحقوق في جامعة «يال» ويقع في حب طالبة حقوق أميركية هندية اسمها «أوشا» (فريدا بينتو التي تقدّم أفضل ما لديها بدور الحبيبة الداعمة التي تقتصر مشاهدها على التواصل مع بطل القصة بحسب جدول سفره المزدحم). لكن يبقى «جي دي» مقيّداً بثقافته الأصلية رغم تراكم النجاحات في حياته. تحتدم المشاكل قبل يوم من مقابلة عمل كانت لتضمن له وظيفة صيفية في مكتب محاماة وتساعده على دفع تكاليف الفصل الدراسي المقبل. لكن تستدعيه عائلته وتطلب منه العودة إلى دياره للتعامل مع والدته «بيف» المدمنة (إيمي آدامز). دخلت هذه الأخيرة إلى مركز إعادة التأهيل وخرجت منه مراراً وقد نَجَت للتو من جرعة هيرويين زائدة. لا يمكن تجاوز الماضي نهائياً، لا سيما على المستوى العائلي: إنها أهم رسالة يُركّز عليها هذا العمل.





الفيلم من إخراج المخضرم رون هاورد (قد يكون أقرب مثال على الخبراء بالثقافة الأميركية والعاملين في أفلام درامية ذات ميزانية ضخمة حتى الآن). لا يهتم Hillbilly Elegy كثيراً بإطلاق مواقف صاخبة عن الجذور التاريخية لأصحاب البشرة البيضاء أو الطبقة العاملة أو احتجاجات حزام الصدأ الجمهوري ضد «أميركا الزرقاء» (في إشارة إلى الحزب الديموقراطي).

إنه الجانب الذي جذب الناس إلى الكتاب الأصلي غداة انتخاب دونالد ترامب وجعله يحقق أعلى المبيعات بشكلٍ مفاجئ. من الطبيعي أن يعتبر بعض المشاهدين النسخة السينمائية غامضة كونها تُضعِف المشهد العام المرتبط بقرارات الشخصيات والمحادثات بينها. أحياناً يقطع المونتاج بين مشاهد الزمن الحاضر في «ميدلتاون» والسنوات السابقة بوتيرة أسرع من اللزوم. حين يكتشف «جي دي» أن والدته تكاد تُطرَد من المستشفى وأنه مضطر لإيجاد سرير متاح في منشأة طبية في أسرع وقت ممكن، يخبر عائلته وأصدقاءه بما حصل وتعكس اقتراحاتهم أول تجربة جماعية لهم للتعامل مع هذه المشكلة.

قد تبدو شخصية «جي دي» مملة (من حيث الكتابة والأداء)، لكنّ هذا الانتقاد لا يستهدف أياً من الممثلين لأنهم يقومون بما يفرضه عليهم السيناريو والمخرج. حتى أن الملل جزء محوري من علاقة بطل القصة مع معظم الشخصيات في بلدته الأم. من الإيجابي أن يبقى جزء من الأحداث عالقاً في نهاية الفيلم (لكن سرعان ما يُكتَب على الشاشة مصير جميع الشخصيات)، فيفكر «جي دي» بكل ما حاول فعله لوالدته وعائلته الكبرى ويكتشف إلى أي حد يستطيع التعاطف مع الآخرين قبل أن تُحطّمه هذه المشاعر. إنه موقف واقعي وصائب وهو يؤكد على فكرة نعرفها أصلاً: لا يمكننا إنقاذ الآخرين إذا كانوا يرفضون إنقاذ أنفسهم!

في مراحل مفصلية من الأفلام، تُعطى الشخصيات خياراً بين اتخاذ قرار أخلاقي أو قانوني صائب والتمسك بالعائلة بغض النظر عن طبيعتها، فيقف الأقارب أمام البطل وينظرون إليه وينتظرون قراره النهائي. ثم يتّضح الخيار على وجوههم قبل أن يتفوه به الشخص المعني. في النهاية، يثبت هذا الفيلم أن الروابط العائلية تبقى أقوى من كل شيء!


MISS 3