جاد حداد

لقاح السلّ...هل يحمي من فيروس كورونا؟

2 كانون الأول 2020

02 : 00

تكشف دراسة مبنية على المراقبة أن من يتلقون لقاح "ﺑﺎﺳﯾﻟس ﮐﺎﻟﻣﯾت ﻏﯾرﯾن" المستعمل ضد السل قد يكونون أقل عرضة لأعراض فيروس "كوفيد - 19"، ولا يحملون الأجسام المضادة للعدوى في دمهم بقدر غيرهم.

طوّر العلماء لقاح "ﺑﺎﺳﯾﻟس ﮐﺎﻟﻣﯾت ﻏﯾرﯾن" منذ أكثر من مئة سنة لحماية الناس من عدوى السل الجرثومية.

وفق منظمة الصحة العالمية، تلقى حوالى مئة مليون طفل اللقاح سنوياً حتى العام 2004. وفي الولايات المتحدة، تمت المصادقة على استعمال هذا اللقاح لدى الأشخاص الأكثر عرضة لمرض السل ولمعالجة بعض أشكال سرطان المثانة.

لكن تذكر الأبحاث أيضاً أن تلقي لقاح "ﺑﺎﺳﯾﻟس ﮐﺎﻟﻣﯾت ﻏﯾرﯾن" في مرحلة مبكرة من الحياة قد يُخفّض وفيات الأطفال بنسبة تصل إلى 45% من خلال تقليص مخاطر تعفن الدم لدى الأطفال والالتهابات التنفسية والحمى. في فئة المراهقين وكبار السن، تبرز أدلة مفادها أن اللقاح يحمي من الالتهابات التنفسية الفيروسية.

يظن العلماء أن اللقاح يُحضّر جهاز المناعة "الفطري" لهذه الاستجابة، وهو أول خط دفاعي في الجسم ضد الفيروسات وكائنات غازية أخرى. وعلى عكس المناعة التكيفية، نادراً ما تستهدف المناعة الفطرية مســـببات أمراض محددة كان قد واجهها الجسم في الماضي.

في الفترة الأخيرة، تساءل باحثون من مركز "سيدرز سيناء" الطبي في لوس أنجلوس عن احتمال أن يُخفّض لقاح "ﺑﺎﺳﯾﻟس ﮐﺎﻟﻣﯾت ﻏﯾرﯾن" مخاطر الإصابة بفيروس "كوفيد - 19" المستجد. يقول المشرف على الدراسة موشي أرديتي، مدير قسم طب الأطفال والأمراض المعدية وعلم المناعة في مركز "سيدرز سيناء": "أردنا أن نحلل لقاح "ﺑﺎﺳﯾﻟس ﮐﺎﻟﻣﯾت ﻏﯾرﯾن" لأنه معروف بأثره الواقي العام ضد مجموعة من الأمراض الجرثومية والفيروسية المختلفة عن السل، بما في ذلك تعفن الدم الوليدي والتهابـات الجهاز التنفسي".

نشر العلماء نتائجهم على موقع "مجلة التحقيقات العيادية".

أعراض "كوفيد - 19" وأجسامه المضادة

بين 11 أيار و18 حزيران 2020، أعطى عاملون في القطاع الصحي (بلغ عددهم 6201) عينات دم وأجابوا على أسئلة حول تاريخهم الطبي، بما في ذلك تلقّيهم لقاح "ﺑﺎﺳﯾﻟس ﮐﺎﻟﻣﯾت ﻏﯾرﯾن" ولقاحات أخرى ضد التهابَين جرثوميّين آخرين والإنفلونزا.

في المحصّلة، قال 1836 منهم إنهم تلقوا اللقاح واعترف 4275 بأنهم لم يتلقوه، ولم يكن 90 شخصاً منهم متأكدين من الجواب.

لوحظ أن المجموعة التي تلقّت اللقاح كانت أقل ميلاً إلى مواجهة أعراض فيروس كورونا في أي مرحلة من الأشهر الستة الماضية. في النهاية، جاءت اختبارات 3.5% من مجموع المشاركين إيجابية في الفحص الذي يرصد الأجسام المضادة للمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة 2. ومن بين المجموعة التي تلقت لقاح "ﺑﺎﺳﯾﻟس ﮐﺎﻟﻣﯾت ﻏﯾرﯾن"، جاءت نتيجة 2.7% إيجابية، بينما بلغت هذه النسبة 3.8% في المجموعة التي لم تتلقَ اللقاح.

يوضح أرديتي: "يبدو أن تلقي لقاح "ﺑﺎﺳﯾﻟس ﮐﺎﻟﻣﯾت ﻏﯾرﯾن" يخفف احتمال المرض وينتج كمية أقل من الأجسام المضادة للمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة 2، أو ربما يطلق الجسم في هذه الحالة استجابة مناعية خلوية أكثر فاعلية ضد الفيروس".

بعد أخذ عاملَي العمر والجنس بالاعتبار، بقي الرابط قائماً بين لقاح "ﺑﺎﺳﯾﻟس ﮐﺎﻟﻣﯾت ﻏﯾرﯾن" (لا اللقاحات الأخرى) وتراجع النتائج الإيجابية في فحص الأجسام المضادة للمتلازمة التنفسية.

يكتب الباحثون في تقريرهم: "تكشف هذه النتائج مُجتمعةً أن تلقي لقاح "ﺑﺎﺳﯾﻟس ﮐﺎﻟﻣﯾت ﻏﯾرﯾن" سابقاً يعطي أثراً واقياً غير محدد ضد المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة 2 ويُخفّف أعراض "كوفيد-19" التي يلاحظها الناس. يبدو أن هذه الظاهرة هي حكر على لقاح "ﺑﺎﺳﯾﻟس ﮐﺎﻟﻣﯾت ﻏﯾرﯾن" لأن اللقاحات الأخرى لا تعطي حماية مشابهة ضد المتلازمة على ما يبدو".

دراسة محدودة

كانت الدراسة محدودة على بعض المستويات لأنها اتكلت على ذكريات المشاركين حول اللقاحات التي تلقوها سابقاً وتقييمهم الخاص لظهور أعراض "كوفيد - 19" في آخر ستة أشهر.

كذلك، كان عدد المشاركين في كل مجموعة طوّرت أعراض الفيروس أو حصلت على نتيجة إيجابية صغيراً نسبياً، ما يُضعِف القوة الإحصائية للدراسة ومصداقية نتائجها.

لكن تجدر الإشارة إلى أن المجموعة التي قالت إنها تلقّت لقاح "ﺑﺎﺳﯾﻟس ﮐﺎﻟﻣﯾت ﻏﯾرﯾن" كانت أكبر سناً بشكل عام.

لوحظ أيضاً أن هذه الفئة هي أكثر عرضة للسكري وارتفاع الضغط وأمراض القلب والأوعية الدموية والانسداد الرئوي المزمن.

هذه العوامل كلها تزيد احتمال الإصابة بحالات حادة من "كوفيد - 19".

في آب 2020، نشرت مجلة "ميديكل نيوز توداي" دراسة أخرى مفادها أن الدول التي يكون فيها لقاح "ﺑﺎﺳﯾﻟس ﮐﺎﻟﻣﯾت ﻏﯾرﯾن" إلزامياً تتمتع بدرجة من "المناعة الجماعية" ضد العدوى.

في الوقت الراهن، تحلل 22 تجربة عيادية قدرة اللقاح على معالجة "كوفيد - 19" أو الوقاية منه ويُفترض أن تُطرَح أدلة جازمة إضافية. يشارك أرديتي ومركز "سيدرز سيناء" في واحدة من هذه الدراسات.

لا أحد مقتنع بأن لقاح "ﺑﺎﺳﯾﻟس ﮐﺎﻟﻣﯾت ﻏﯾرﯾن" سيكون أكثر فاعلية من اللقاحات التي تستهدف "كوفيد-19" تحديداً، لكن إذا أثبتت التجارب منافعه كلقاح معروف، يمكن المصادقة عليه سريعاً واستعماله لهذه الغاية.

أخيراً، يستنتج أرديتي: "قد يفيدنا هذا الحل المحتمل إلى أن تصبح أكثر اللقاحات فاعلية وأماناً ضد "كوفيد - 19" متاحة على نطاق واسع".


MISS 3