رجّح أن يغطّي الفقر أكثر من نصف سكان البلد والتضخّم يتجاوز 100%

البنك الدولي: نمو الإقتصاد اللبناني يهوي الى -19.2%

02 : 00

مبنى البنك الدولي

توقّع البنك الدولي أن يتراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (أي الإقتصاد) بشكل حاد إلى -19.2% خلال العام 2020، مقارنة مع نسبة -6.7% خلال العام 2019.

وأضاف في تقرير المرصد اللبناني الذي أصدره أمس تحت عنوان "الكساد المتعمد" التطورات الاقتصادية في لبنان، أن "انهيار العملة أدّى إلى معدلات تضخّم تجاوزت نسبة الـ100%. ويعمل التضخم بمثابة ضريبة تنازلية شديدة، تؤثّر على الفقراء والمحرومين بشكل غير متناسب، وكذلك الأشخاص ذوي الدخل الثابت مثل المتقاعدين.

وأدى التوقف المفاجئ في تدفقات رؤوس الأموال الوافدة إلى استنفاد احتياطي العملات الأجنبية لدى مصرف لبنان. وفعلياً، لا يزال تحويل الودائع بالدولار الأميركي إلى الليرة اللبنانيّة والاقتطاع من الودائع في الدولار الأميركي جارياً رغم إلتزام مصرف لبنان والبنوك التجارية بحماية الودائع.

ورجّح البنك الدولي إستمرار معدلات الفقر في التفاقم، لتغطي أكثر من نصف السكان. ومما لا شك فيه أن انكماش نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي اللبناني بالقيمة الحقيقية وارتفاع التضخم سيؤديان إلى زيادة كبيرة في معدلات الفقر وسيؤثران على السكان من خلال قنوات مختلفة مثل فقدان فرص العمل المنتجة، وانخفاض القوة الشرائية الحقيقية، وتوقف التحويلات الدولية. ومن المرجح أن تغتنم اليد العاملة عالية المهارة الفرص المحتملة في الخارج، مما يشكل خسارة اجتماعية واقتصادية دائمة للبلاد".

واشار تقرير مرصد الإقتصاد اللبناني الى أنه "بعد مرور عام على نشوب الأزمة الاقتصادية الحادة في لبنان، أدى الافتقار المقصود إلى إجراءات سياسية فعالة من جانب السلطات و تعريض الاقتصاد لكساد شاق وطويل". معتبراً إن" لبنان يعاني استنزافاً خطيراً للموارد، بما في ذلك رأس المال البشري، حيث باتت هجرة العقول تمثل خياراً يائساً على نحو متزايد. ويتركز عبء التعديل الجاري في القطاع المالي بشكل خاص على صغار المودعين الذين يفتقرون إلى مصادر أخرى للادخار، والقوى العاملة المحلية التي تحصل على مستحقاتها بالليرة اللبنانية، والشركات الصغيرة".

سياسات طويلة الأجل

وقال المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جاه، "إن غياب التوافق السياسي حول الأولويات الوطنية يعيق بشدة قدرة لبنان على تنفيذ سياسات إنمائية متبصرة طويلة الأجل". وأضاف: "يتعيّن على الحكومة الجديدة أن تنفّذ على وجه السرعة استراتيجية ذات مصداقية لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد الكلي، مع اتخاذ تدابير قصيرة الأجل لاحتواء الأزمة، فضلاً عن اتخاذ تدابير متوسطة إلى طويلة الأجل للتصدي للتحديات الهيكلية. وهذا أمر لا بد منه لاستعادة ثقة اللبنانيين، ولا سيما الشباب، الذين برهنوا مرّة تلو المرة عن قدرتهم على الصمود في وجه المصاعب، ولكنهم يعانون حالياً من العبء التراجعي للتعديلات المالية".

ولفت التقرير الى أن "السلطات اختلفت في ما بينها حول تقييم الأزمة وتشخيصها وحلولها. وكانت النتيجة عدداً كبيراً من التدابير غير المنسّقة وغير الشاملة وغير الكافية في مجال السياسات العامة، وهو الأمر الذي أدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية". معتبراً أن "الحكومة أخفقت في وضع سياسة للمالية العامة تتسق مع إطار متوسط الأجل للاقتصاد الكلي ذي مصداقية. ويدعو القطاع المصرفي إلى إنقاذ القطاع المالي من قبل القطاع العام وهو ما لا يتفق مع مبادئ إعادة الهيكلة التي تحمي دافعي الضرائب. وفشلت السلطات النقدية في معالجة أزمة أسعار الصرف وارتفاع التضخم. ولم تتخذ الحكومة بعد التدابير اللازمة للتخفيف من حدة الفقر عبر معالجة الآثار الاجتماعية للأزمات على الأسر الفقيرة والمحرومة من خلال تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي".

ورأى أن "إعادة البناء تتطلّب على نحو أفضل أن يعطي لبنان الأولوية لبناء مؤسسات أفضل، وحوكمة رشيدة، وبيئة أعمال أفضل، إلى جانب إعادة البناء المادي. ومع ذلك، ونظراً لحالة الإعسار التي يمر بها لبنان وافتقاره إلى احتياطيات كافية من النقد الأجنبي، فإن المساعدات الدولية والاستثمار الخاص يشكلان ضرورة لتحقيق الانتعاش وإعادة الإعمار الشاملين. وسيتوقف مدى وسرعة تعبئة المعونات والاستثمارات على ما إذا كان بإمكان السلطات والبرلمان العمل سريعاً على إصلاحات المالية العامة وإدارة الحكم والإصلاحات المالية والاجتماعية التي تشتد الحاجة إليها. إذ أنه من دون تلك الإصلاحات، لا يمكن أن يتحقق تعاف مستدام ولا إعادة إعمار، وسيواصل الوضع الاجتماعي والاقتصادي تدهوره.

أجندة إصلاحية شاملة

ويطرح القسم الخاص بالتقرير أجندة إصلاحية شاملة للمناقشة. وتهدف الأجندة المقترحة إلى معالجة الأسباب الجذرية للأزمة الاقتصادية ويمكن أن تمهد الطريق لاقتصاد أكثر إنصافاً وكفاءة وقدرة على التكيف.

وبذلك، تضع الأجندة إصلاحات الحوكمة والمساءلة في مركز الصدارة، إلى جانب تحقيق الاستقرار في الاقتصاد الكلي في إطار سعيها إلى إعادة بناء الثقة. وتتضمن أجندة الإصلاح المقترحة خمس ركائز: 1-برنامج لتحقيق استقرار الاقتصاد الكلي؛ 2- حزمة إصلاحات الحكم والمساءلة؛ 3- مجموعة إصلاحات تطوير البنية التحتية؛ 4- أجندة إصلاح للفرص الاقتصادية؛ - حزمة إصلاحات لتنمية رأس المال البشري.

التزام صانعي السياسات

ولأجندة الإصلاح شرط مسبق واحد هو التزام صانعي السياسات اللبنانيين بإعادة بناء اقتصاد أكثر إنتاجية وإنصافاً ومرونة. ويُعنى قسم التركيز الخاص هذا بإثراء نقاش مفتوح بين الشعب اللبناني وبينه وبين حكومته. ويهدف إلى الإسهام في النقاش الذي ينبغي أن يجري على طريق الخروج من الأزمة الجارية، وتسلسل الإصلاحات، والرؤية الإنمائية الطويلة الأجل، وكلها أمور مترابطة. وكلها تتطلب تمويلاً. ومع ذلك، وقبل أن يتم أي تمويل للانتعاش الاقتصادي، يجب على لبنان استعادة الثقة بين الحكومة والمواطنين، وبين الحكومة والمستثمرين، وبين الحكومة والمانحين.


MISS 3