جولي مراد

عاد من نيويورك حالماً بنهوض لبنان

كورونا يخطف الموسيقار بسام سابا

5 كانون الأول 2020

02 : 00

فجع الوسط الفني والموسيقي بلبنان بنبأ رحيل أحد أعلامه الكبار بعدما خطفه فيروس كورونا من أهله وأحبائه بشكلٍ صادم. لم يكن رئيس المعهد الوطني العالي للموسيقى بسام سابا الذي توفي عن 62 عاماً في أحد مستشفيات بيروت بعدما صارع كورونا لأكثر من شهرٍ، يدرك أن المنية ستحوّله خبراً حزيناً تتناقله الألسن. كان دوماً ناقلاً للفرح والموسيقى الباعثة على الأمل والرجاء فكيف له أن يحلّ حزناً في النفوس ويسبب فيضاً من دموعٍ تنهمر بلا هوادة. ليس سابا بشخصٍ عادي، فهو من قماشة الكبار، أولئك الذين يحفرون بأعمالهم مكانةً لهم تخلّد ذكراهم حتى بعد الممات فلا يطويهم النسيان ولا يقوى على تغييبهم القدر.

وفور انتشار النبأ انهالت الكلمات المعزّية في الراحل. صديقه المقرّب المايسترو هاروت فازليان الذي اتصلنا به لتسجيل شهادة بالراحل لا يصدّق أنّ رفيق دربه الموسيقيّ الماهر والرفيع الذوق رحل الى عالم بعيد. "كنا مؤمنين أنّ حالته تحسّنت وأنه سيعود إلينا"، يقول بغصة. ويكمل: "أجمل ما في سابا قلبه الطيب ولياقته الدائمة في التصرف والكلام وفي تفاصيل الحياة الكبيرة منها والصغيرة".

لم ينل اليأس من سابا، كان دائم الحلم والأمل بغدٍ أفضل رغم المشاكل كلها ورغم الازمات المتراكمة. لم يعرف سابا الاحباط، يؤكّد فازليان: "كان عازماً على النهوض بالبلد موسيقياً ومؤمناً به الى أقصى حدّ، ولهذا السبب بالذات عاد من نيويورك، وكان يحلم بخططٍ كثيرة للكونسرفتوار. أراد نقله الى مستوى عالمي ولم يبخل عليه يوماً بالعطاء. ماذا نقول أساساً في شخصٍ لامع في الموسيقى الشرقية والغربية ليس في بلده فحسب بل عالمياً كذلك؟ مهما قلنا فيه لا يكفي. كان سابا استثنائياً بكل معنى الكلمة".

ويبدو أن سابا الانسان لم يكن بعيداً في الخصال عن سابا الموسيقي المرهف الاحساس. "سأفقتد روح النكتة لديه. سأفتش عن ذكرياتنا معاً ونحن نقتل الوقت بالضحك والمزاح. لم يكن سابا يوماً متعجرفاً أو متغطرساً رغم شهرته الكبيرة. كان انساناً متواضعاً وبسيطاً، عملاقاً بقلب طفلٍ بريء. لا أصدق أننا خسرناه... وفي عمرٍ فتيّ لا يفترض أن يغيب فيه المرء فجأةً... لا أستطيع تخّيل الألم الذي يعتصر قلب عائلته وأحبائه... حزني شديد... لا أستطيع مواصلة الكلام... اعذروني..." جهش فازليان بأسى خاتماً المكالمة.

الشهادات الرسمية في الراحل أيضاً لم تهدأ طوال اليوم. الرئيس المكلف سعد الحريري علّق: "الموسيقى اللبنانية والعربية والعالمية خسرت عبقرياً شاباً، نشر إبداعه في القارات الخمس وصولاً الى ادارة اوركسترا في نيويورك قبل أن يعود الى وطنه ليعطيه زبدة فنه وعلمه وحبه". بدوره اعتبر وزير الثقافة محمد داوود داوود أنّ سابا "مبدع ربط بموسيقاه واعماله الفنية الشرق والغرب، وتميز بتمرسه في علوم الموسيقى التي حملها معه في الحفلات الفنية كافةً التي جال بها أصقاع العالم".

ودرس بسام سابا الناي، العود والكمان في المعهد الموسيقي الوطني اللبناني، ثم نال البكالوريوس بالموسيقى الكلاسيكية الغربية وأداء الفلوت في كونسرفاتوار دي غوبلان في باريس، وحصل على ماجستير الفنون الجميلة في عزف الفلوت الغربي والتعليم الموسيقي من معهد جيسين التربوي الموسيقي العالي في موسكو، وأسّس فرقة عربية في نيويورك مؤلفة من أعضاء أميركيين قبل توليه منصب المدير العام للمعهد العالي للموسيقى.

وتعاون الموسيقار الراحل مع أهم نجوم البوب في لبنان والعالم العربي والعالم، منهم: Yo-Yo Maو Sting، Alicia Keys and Santana، ورموز الجاز مثل Herbie Hancock وكوينسي جونز وغيرهم كثر.

جال سابا العالم مع موسيقاه وآلاته وسجّل مع فيروز ومارسيل خليفة وزياد الرحباني وماجدة الرومي وسيمون شاهين وتوفيق فروخ. وشارك مع رفيق الدرب الموسيقي سيمون شاهين بفرقة القنطرة وفرقة موسيقى الشرق الأدنى وغيرها.

وتألق سابا على الساحة العالمية فدعاه موسيقيون مشهورون في ألمانيا وسويسرا والشرق الأوسط والولايات المتحدة لأداءٍ منفرد لأكثر من مرة.

عُيّن الراحل مديراً عاماً ورئيساً للمعهد الوطني العالي للموسيقى في تشرين الأول 2018، فترك بلده الثاني الولايات المتحدة، ليعود الى لبنان ويتولّى منصبه الجديد بعد غياب 30 سنة، ظناً منه أنه يستطيع الإصلاح والتغيير من خلال هذه المؤسسة، لكن الظروف الصعبة حالت دون إعطائه الإمكانيّة لإحداث هذه النقلة النوعية في الثقافة الموسيقية. رحل سابا قبل أن يحقق حلمه. وهكذا تركنا في صقيع من الأزمات لا موسيقى حالمة في أرجائها فبات عالمنا حزيناً رتيباً...


MISS 3