"الطين الأبيض" قوت فقراء جنوب مدغشقر للتحايل على الجوع

02 : 00

في ظل الجفاف الحاد الذي يضرب جنوب مدغشقر هذا العام، يساعد الطين الأبيض في الأشهر الأخيرة كثيرين في المنطقة على الصمود بوجه المجاعة بعدما بات جلّ ما يتمنّونه "البحث عما يسدّون به رمقهم". ويوضح المزارع دوداي فانديلافا نويليسونا في قرية فينويافو: "نسميّ ذلك تراب البقاء لأنه يتيح تذوق الطعم الحامض للتمر الهندي ما يساعدنا في التحايل على الجوع". ويقول هذا الأب لستة أطفال أمام جيرانه بعد انحباس المطر منذ أكثر من عام: "لم نعد نسعى إلى البحث عن قوت عيشنا بل عن سبل لملء الأمعاء الخاوية من أجل البقاء".

ويشكل الصبّار المصدر الغذائي الرئيس في هذه المنطقة الجافة. لكن حتى هذه النبتة باتت تعاني من شح المياه ما انعكس كساداً في موسمها هذا العام. ويشهد المشهد النادر لقشور الصبار الذابلة على المشقات الكبيرة هذا العام.

وفي هذه القرية، يبقى الخوف الأكبر من تكرار الجفاف الرهيب الذي أودى بحياة المئات في تسعينات القرن الماضي.

ويوضح أقياني إيدامي وهو أب لتسعة أطفال "نسمّي تلك الحقبة عصر الجثث المبعثرة، لأنها كانت تنتشر في كل مكان على الطرقات. لم يكن لدى الناس القوة على دفن جثامين أشقائهم وشقيقاتهم". ويقول "كي أجنب نفسي وعائلتي هذا المصير الأسود، أصنع الفحم وأقطع الحطب وأبيعه لأشتري الطعام". ويتابع إيدامي "لقد أنفقت أيضاً مدخراتي على تربية المواشي لبيعها عند الحاجة، غير أن عصابات سرقت كل ما نملك هذا العام، حتى أدوات المطبخ". وهو يبيع كيس الفحم في مقابل مبلغ زهيد لا يتعدى 35 سنتاً، ما يتيح له إطعام عائلته الكسافا مرة واحدة يومياً. لذلك، يأكل هؤلاء كما جيرانهم الصلصال والتمر الهندي. ولشحن طاقته من أجل العمل، يحضر خلطة خاصة من لحاء الشجر.

وفي أيلول الفائت، تمّ الإعلان عن وفاة تسعة أشخاص بسبب الجوع في أنكيلوماروفايستي على بعد حوالى عشرة كيلومترات، وهم "ثمانية أطفال ووالدتهم"، بحسب رافانامبي البالغ 65 عاماً وهو عميد القرية.

ويوضح تيودور مبايناسم رئيس برنامج الأغذية العالمي بفرعه المحلي أن الأطفال هم أول الضحايا إذ لا يتقبل جسمهم الطين الممزوج بالتمر الهندي لكونه يسبب "انتفاخات في البطن".

ويحتاج نصف السكان في جنوب البلاد، أي 1,5 مليون شخص، حالياً مساعدات غذائية طارئة، وفق برنامج الأغذية العالمي. ويتطلب ذلك الإفراج عن مساعدة طارئة تقرب قيمتها من 37 مليون دولار. وعلى بعد بضعة كيلومترات، في بيراكيتا، أقامت منظمة "العمل لمكافحة الجوع" مقراً لها بالتنسيق مع برنامج الأغذية العالمي.

وتعتني المنظمة في المقر مرة في الأسبوع بحوالى خمسين طفلاً يعانون سوء تغذية حاداً، مع بطون منتفخة وأرجل نحيلة، إضافة إلى مئة مريض آخر. وهم يواجهون خطر الموت "خصوصاً إذا ما ترافق سوء التغذية مع مضاعفات وحالات إسهال والتهابات تنفسية أو إصابات بالملاريا"، بحسب ما تؤكد المسؤولة عن التغذية في المنظمة أنيك راكوتوانوسي. وتواجه المنظمات الإنسانية صعوبة فائقة في توزيع المساعدات في مواجهة انعدام الأمن وسرقة المواشي والبؤس.


MISS 3