مايز عبيد

خالد "ماسح الأحذية"... من يمسح عن وجهه تعب السنين؟

12 كانون الأول 2020

02 : 00

يجول في ساحة التل يومياً

في زمن الأزمات والفقر، صارت هموم الطرابلسيين ومآسيهم تتجوّل في أحياء المدينة على هيئة أشخاص يحملون في داخلهم كلّ هذه الأوجاع وتعب السنين والإهمال الذي لحق بطرابلس وسكانها، سواء من جهة الدولة أم من جهة السياسيين.

وخالد الزعبي هو أحد تلك الأمثلة الصارخة. فهو ماسح الأحذية المعروف والذي لا يمكن أن تمرّ في حديقة المنشية أو ساحة التلّ من دون أن تلمحه يجول في الساحة ومحيطها كلّ يوم، ليستقرّ بعدها في حديقة المنشية يتربّص بالزبائن.

فمن هو خالد الزعبي؟ عند كلّ ضربة فرشاة يضربها، يمسح خالد الغبار عن أحذية الآخرين، ولكن من يمسح عنه غبار وتعب السنين؟ وبالرغم من أنه إبن مدينة طرابلس ويبلغ من العمر 48 سنة، إلا أن من ينظر إليه يعطيه عمراً يفوق الستين سنة. فتعب السنين وهموم المعيشة بادية عليه في كل تفاصيله، من الوجه إلى المظهر الخارجي واللباس، لكنّ الروح في داخله طيبة ولا تبغي إلا العيش بكرامة وتأمين مصاريف العائلة. ويقول خالد، وهو أب لـ 6 أولاد ويسكن في منطقة التبانة، لـ"نداء الوطن": "بيتي في التبانة أسكن فيه بالإيجار، مدخولي في اليوم بين 20 و 25 ألف ليرة. أحتاج كل يومين أو ثلاثة إلى عشرة آلاف أو 15 ألفاً لتأمين مواد البويا والتلميع وغيرها من المستلزمات. هذه مهنتي التي أعمل بها ومع الأسف كل شيء ارتفع سعره وما زال الزبون يدفع لنا الألف، ويحارجنا إن طلبنا الثاني. لكن لا مشكلة، فأوضاع كل الناس في هذا البلد صعبة. طبعاً، مدخولي لا يكفي لعائلة من 8 أشخاص. ولكن ماذا أفعل؟ الكحل أحسن من العمى".

وعلى مبدأ أنّ العمل لو بالقليل أفضل من انتظار كثير قد لا يأتي، يدور خالد في منشية التلّ من مقعد إلى آخر، بحثاً عن أي شخص يرغب بتلميع حذائه. ويشير إلى أنّ مدخوله اليومي بعد كل هذا الغلاء الذي نشهده لم يعد يفي بالغرض "فنحنا أنجأ ناكل اللقمة. ما في حدا عم يساعدنا أو يطّلع فينا". وإلى صناديق الاقتراع قبل عامين، توجّه خالد وشارك في الإنتخابات وصوّت للرئيس نجيب ميقاتي، على حدّ قوله. ويتساءل في هذا الصدد "لماذا نسينا الرئيس ميقاتي بعد الإنتخابات ونحن قد أعطيناه أصواتنا؟".

في زمن الإغلاق "الكوروني"، أقفلت حديقة المنشية. فاضطر خالد أن يجول في محيطها وفي ساحة التلّ بشكل عام، مثله مثل كلّ أصحاب المهن ولو تنوّعت واختلفت أحجامها ومواردها، فقد تأثّر بالإقفال العام لأنه في أغلب الأحيان ينتظر الزبائن في الحديقة وعلى مقاعدها. وإذا كانت حديقة المنشية في التلّ بالنسبة للبعض مقصداً للإستراحة من مشوار طويل داخل الأسواق، أو لانتظار شخص ما حسب الموعد، فإنها بالنسبة إلى خالد وأمثاله، مقصد للعيش وتأمين الدخل اليومي له ولعائلته.


MISS 3