عيسى يحيى

إحراق مغارة الميلاد في الجديدة: عمل تخريبي لضرب العيش المشترك

15 كانون الأول 2020

02 : 00

تعكس بلدة الجديدة – الفاكهة في البقاع الشمالي صورة لبنان العيش المشترك، حيث تتداخل فيها الطوائف، وتعيش نموذجاً من النسيج الإجتماعي والتعايش الإسلامي المسيحي الذي لم يهتزّ في عز الحرب الأهلية، وبقي مسيحيو البلدة ثابتين في أرضهم بالرغم من كلّ الصعاب، ولاقاهم المسلمون بيدٍ ممدودة لترسيخ الوحدة والسلام.

لم تترك السياسة شيئاً إلا وأفسدته، لتجد في البيت الواحد توجّهين مختلفين، يصل في بعض البلدات والقرى إلى المواجهة في الإنتخابات الإختيارية أو البلدية. ولم تسلم بلدة جديدة الفاكهة من أتون الصراعات البلدية التي أبقتها من دون مجلس بلدي منذ الإنتخابات البلدية الأخيرة عام 2016، نتيجة تزوير ونقض للعرف السائد بتوزيع المقاعد مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، سبقتها صراعات خلال الدورة الماضية، ما عكس صورةً توحي بأنّ الخلاف مسلم – مسيحي. الجو المتوتّر في البلدة منذ سنوات نتيجة الخلاف حول صحّة التمثيل في المجلس البلدي لم يصل يوماً إلى حدود الكباش المذهبي، بل بقي ضمن إطار الخلاف السياسي الذي لم تفضي تحالفات "المستقبل" و"القوات" ولا التحالف الأخير بين "المستقبل" والتيار العوني إلى حلّهه وتثبيت المناصفة المحقّة بين أعضاء المجلس البلدي، والتي كرّستها الأعراف والتقاليد حفاظاً على العيش المشترك، أو إصدار قرار يقضي بإنشاء بلدتين منفصلتين، لكلّ منهما مجلس بلدي.

وليل السبت، جاء إحراق مغارة الميلاد في الجديدة، ومحاولة إحراق شجرة الميلاد في باحة كنيسة مار جرجس ليزيد من التوتّر الحاصل في البلدة، وكأنّ المراد من هذا الفِعل هو تأجيج الفتنة وضرب العيش المشترك وتبادل الإتهامات بين المسلمين والمسيحيين، في حين أظهر شريط فيديو إلتقطته كاميرات المراقبة شابين لم يكملا العشرين من العمر، أقدما على إضرام النار في الشجرة قبل الهروب. وأجمعت التصريحات من مختلف الجهات على أنّ العمل مقصود ويراد منه الفتنة بين أبناء البلدة التي لم تشهد أي أعمال من هذا القبيل طوال الفترة السابقة.

راعي كنيسة الجديدة الأب جان نصرالله أشار في حديث لـ"نداء الوطن" الى أنّ الموضوع فاجأ الجميع في الجديدة والفاكهة، لأنّها المرة الأولى التي تحدث فيها أعمال كهذه في البلدة، وما حصل هو لخلق فتنة بين أبناء البلدة والتشويش على الأعياد، خصوصاً وأنّ لدى الأجهزة الأمنية معطيات حول أعمال تخريبية، ونتيجة إحراق المغارة ومحاولة إحراق شجرة الميلاد بصبّ المازوت تأكّد لنا أنّ الأمر مخطّط له، وما حدث كان محطّ تضامن في المنطقة والبلدة التي لم تشهد أي ضغوط دينية طوال الفترات السابقة".

من جهته، أشار إمام بلدة الفاكهة الشيخ حسان محيي الدين لـ"نداء الوطن" الى أن "الحادثة هي الأولى من نوعها في المنطقة، ونحن شجبنا الأمر لأنّه ليس من ديننا ولا من شرعنا وعاداتنا وتقاليدنا، وحرية المعتقد مقدّسة لجميع الأديان، ونحن نعيش مع إخواننا المسيحيين بمحبّة وسلام منذ نشأتنا، وما جرى أثار مشاعرنا وأحاسيسنا لأنّه يضرب في عمق المعتقد، فنحن تعوّدنا أن تكون زينة الميلاد منتشرة على الطريق العام وداخل البلدة، فهي تبعث في النفس نوعاً من الإطمئنان والسرور بالرغم من الآلام والموت المحتم والسوداوية التي نشهدها، والجميل أنّه من بين هذه السوداوية يخرج نور بمناسبة ميلاد السيد المسيح عليه السلام، ونؤكّد على شجبنا وإدانتنا لهذا العمل الشيطاني، ونقف إلى جانب إخواننا المسيحيين ونشدّ على أيديهم، وهو إعتداء سافر على ديانة محبة وسلام".

بدوره، أكّد المختار يوسف الخوري لـ"نداء الوطن" أنّ "الأمر متروك للأجهزة الأمنية ولكاميرات المراقبة لمعرفة الفاعلين، ونحن لا نتّهم أحداً، فأبناء بلدة الفاكهة جيراننا وأهلنا ولا نتّهم أحداً قبل صدور نتائج التحقيقات، وما جرى يدل على أنّ العمل مقصود به التخريب وإحداث فتنة وهو مفتوح على أكثر من إحتمال، فطريقة هروب الشبان أمام الكاميرات وسكب المازوت على الشجرة هو دليل على التخريب ربطاً بالخلافات الحاصلة نتيجة الإنتخابات البلدية".


MISS 3