جان م صدقه

الدين والإيمان في جائحة كوفيد - 19

9 كانون الثاني 2021

02 : 00

تشهد الممارسات الدينية لمئات الملايين تغيرات عميقة استجابة لوباء COVID-19 الناجم عن فيروس كورونا. دفعت الأزمة العديد من القادة الدينيين إلى مناشدة أتباعهم ليس فقط لاتخاذ احتياطات السلامة ولكن أيضاً لاحتضان روحانياتهم للمساعدة في مواجهة التحديات الصحية والاجتماعية والاقتصادية. لقد أثّرت جائحة كوفيد - 19 على الدين والإيمان بطرق مختلفة. لكن لطالما لعب الدين دور بلسم الروح، فهل الإصابة بكوفيد - 19 تعزّز الإيمان؟

الإتّجاه نحو الله

إستخدم مركز بيو الأميركي للأبحاث Pew Research Center مسحاً للتحقّق من قوّة الروحانيّة في مواجهة جائحة فيروس كورونا. ونظراً لأنّ عدد الوفيات المؤكّدة بـ"كورونا" تخطّى المليونين في 202 دولة حول العالم، وبما أنّ العلماء والسياسيّين يكافحون للاستجابة للأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة والصحيّة بسبب الجائحة، يتّجه الكثير من الناس نحو الإيمان. وقد تمّ تحديد المجتمع الأوروبيّ الحديث أنموذجاً حيث تسود اللامبالاة بالمؤسّسات الدينيّة أو الأيديولوجيّة وحيث يعمل مفهوم الله كقوّة قاهرة أو قضاء أو قدر. ومع ذلك، في مواجهة المرض والمعاناة، لوحظ تغيير كبير في المواقف، كما يتّضح من العديد من شهادات الأطبّاء الإيطاليّين. فالمعتقدات الدينية لا تسمح لنا بالفهم وحسب، ولكنّها تؤثّر أيضاً على معنى العديد من الأحداث التي تحدث في حياة كلّ فرد. مع هذا النهج، فإنّ الإيمان أو الروحانيّة المفهومة على نطاق واسع هي قوة تساعد في التغلب على الأزمة العقلية وكذلك تسهّل التكيف مع المرض أو القيود الناتجة عنه.

بولندا أنموذج للدراسة

كان مصدر إلهام هذه الدراسة الكلمات القوية لنائب رئيس الوزراء البولندي الذي قال إن "الكنائس مثل مستشفيات الروح". أكثر من 98% من البولنديين هم من المسيحيين، لكن حوالى 82% فقط يعتبرون أنهم يمارسون دينهم بنشاط. يكشف الباقي عن حضور خدمات الكنيسة للشعور بالواجب أو الرغبة في نقل التقليد إلى أطفالهم.

تصميم الدراسة

تكونت مجموعة الدراسة من 324 مستجيباً، وأجري الاستطلاع بين المجتمع البولندي في الفترة من 13 إلى 16 مارس/‏آذار 2020. التواريخ مهمة لأنها كانت المدة التي بدأ فيها الخوف من Covid-19 ينتشر على الصعيد الوطني. تم الإبلاغ عن أول حالة إصابة بفيروس Covid-19 في بولندا في 4 مارس/‏آذار 2020. منذ 14 مارس/‏آذار 2020، تم تطبيق حالة طوارئ وبائية، وفي 15 مارس/‏آذار 2020 جرى تنفيذ طوق صحي حول الحدود البولندية بشكل ملحوظ للحد من حركة المرور عبر الحدود. كما تمّ توزيع الاستطلاع على عامة الناس عبر مستندات غوغل باستخدام برامج الرسائل المحمولة الشهيرة وقنوات التواصل الاجتماعي الأخرى.

النتائج

شمل الاستطلاع 324 مستجيباً، 50.6% من الرجال و49.4% من النساء. تقع أكبر مجموعة من المستجيبين (54%) في الفئة العمرية من 21 إلى 35 عاماً. أكملت غالبية المجموعة المرحلة الثانوية من التعليم (37.3%) والجامعية أو حاصلة على شهادة جامعية (52.2%). أعلن ما يقرب من نصف المستجيبين أنهم يعيشون في مدن يزيد عدد سكانها عن 250 ألف نسمة (42.9%).

في ما يتعلق بالإيمان، أعلنت الغالبيّة العظمى أنهم كاثوليك (91.7%)، وكشف أكثر من نصف المستجيبين الكاثوليك أن الإيمان يلعب دوراً مهماً جداً في حياتهم (55.2%). وأعلن 67.6% من المستجيبين أن الإيمان /‏ الروحانية كانت مهمة بالنسبة لهم في مواجهة جائحة Covid-19. ومع ذلك، بالنسبة لغالبية العدد الإجمالي للمستجيبين، لم تتعزز المشاركة الدينية بسبب خطر الإصابة (75.3%)؛ ضمن المستجيبين الكاثوليك، ذكر 25.9% تعزيز إيمانهم. النتائج التي تم الحصول عليها في القسم الأخير من الاستطلاع في ما يتعلق بالإيمان بالقوة الوقائية للإيمان والشعور المتزايد بالأمان أكثر من 40% وقد أظهرت الردود الثقة في هذه القدرة 40.7% مقارنة بالمستجيبين الكاثوليك من بينهم 43.8% أعلنوا الإيمان بالقوة الوقائية للإيمان (ضمن هذه المجموعة كان 43.1% من النساء و 56.9% من الرجال ؛ 76% أقل من 50 سنة).

نقاش

أظهر تحليل الاستطلاع أن جوهر الإيمان له أهمية كبيرة وأنه يترافق مع ممارسة الصلاة المتكررة. في بولندا، كان هناك نقاش حول أزمة الإيمان المتزايدة لدى جيل الشباب وافتقارهم إلى الارتباط بتقاليد الكنيسة. تشير الأبحاث العالمية أيضاً إلى أن النساء يشاركن في الحياة الدينية في كثير من الأحيان، أو يصلين أكثر أو يشعرن بحضور أكبر لله إلى حد كبير، ربما يرجع هذا إلى الاختلافات النفسية بين الرجال والنساء، أيضاً في المجال الميتافيزيقي. في الوقت نفسه، ضمن مجموعة الدراسة هذه، تعتقد الشابات أن الإيمان سيحميهن من الإصابة بفيروس كورونا (64%). ولعل هذا مرتبط بصورة الله كأب طيب ورحيم قادر على إنقاذنا من كل شر ومعاناة. بشكل عام، يُلاحظ تطور الإيمان أيضاً في مجموعة كبار السن، والذي قد يكون ناتجاً عن الوعي بحتمية الموت. تسبب جائحة الفيروس التاجي أيضاً الخوف من الموت لدى الشباب، وهو ما لحظته تقارير وسائل الإعلام العالمية حول وفيات الشباب الذين لا يعانون من أمراض إضافية. غالباً ما يصاحب هذا القلق النساء، والذي تم الإبلاغ عنه وإثباته أيضاً في الدراسة. تقدر المرأة قيم الأسرة كثيراً، وتهتم باحتياجات أحبائها وغالباً ما توكل مصيرها إلى الحماية الإلهية.

الإيمان في زمن الأوبئة

هذه المحنة كلها تقرّبنا من الله أكثر فأكثر. إن قضاء الوقت في الصلاة والبقاء معه تعزية. في الختام، عندما نتعرض لتهديد، فإننا نستخدم استراتيجيات مختلفة للبقاء على قيد الحياة، والإيمان هو أحدها، ما يسمح لنا بالحفاظ على الأمل وكذلك الشعور بالأمان. يمكن للوضع العالمي الحالي أن يجمع الناس معاً أيضاً من خلال الصلاة المشتركة.

ينظر العديد من الباحثين والأطباء الآن إلى الدين والمعتقد على أنهما وسيلة مهمة للتعامل مع الصدمات والضيق بفضل البحث على مدى العقود الثلاثة الماضية. وتظهر الأبحاث أن الدين يمكن أن يساعد الناس على مواجهة المحن من خلال:

• تشجيعهم على إعادة صياغة الأحداث من منظور مليء بالأمل.

• تعزيز الشعور بالترابط من خلال المشاركة في اجتماعات دينية.

• تنمية التواصل من خلال الطقوس.

لسوء الحظ، قد تقوض المعتقدات الدينية أيضاً الشفاء في الأوقات العصيبة. تشمل هذه التعبيرات الدينية السلبية:

• الشعور بالعقاب من قبل الله أو الشعور بالغضب تجاه كائن أعلى.

• وضع كل شيء في يد الله.

• الوقوع في صراعات أخلاقية.

البابا فرانسيس وفيروس كورونا

تناول البابا موضوع هذا الفيروس فصبّ غضبه على الرأسمالية كأيديولوجية وعلى النظام الرأسمالي العالمي كنظام، واعتبر أن انتشار "فيروس كورونا" يمثل دليلاً جديداً على فشل الرأسمالية والنظام الذي أفرزته لإدارة العالم بأسره من مدخل الربحية الاقتصادية.

الاستنتاجات

ساعد الدين الناس على تجاوز الأوقات العصيبة لآلاف السنين. وقد ركزت المجتمعات الحديثة، قبل جائحة Covid-19، بشكل أساسي على الرفاهية، واستبعدت الروحانية إلى حد كبير، وبالتالي حصر رغبات الإنسان في المجال المادي فقط.

في الختام، لقد خلق الخوف من الوباء تجديداً روحياً، وربما نشهد تشكيل "جيل جديد من فيروس كورونا"، حيث سيخلق تطور الروحانية موقفاً ناضجاً قائماً على الايمان والحقيقة والحرية.


MISS 3