يوسف مرتضى

توقعات روسية لسياسات إدارة بايدن الشرق أوسطية

23 كانون الثاني 2021

02 : 00

يدعم مستشار الأمن القومي في إدارة بايدن الجنوح نحو الإستقرار في الشرق الأوسط (ا ف ب)

ما إن طُرح إسم جيك سوليفان لتولي منصب مستشار الأمن القومي لجو بايدن، حتى راح بعض الكتاب والمحللين الروس بالتعليق والإضاءة على ما يمكن أن تشهده منطقة الشرق الأوسط من تطورات في عهد الإدارة الأميركية الجديدة، وذلك من خلال الإضاءة على الخلفية الإيديولوجية لسوليفان وتصريحاته ومقارباته ونظرته، التي تتوافق بالكامل مع رؤية بايدن للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية ومنها الشرق الأوسط على وجه الخصوص.

فجيك سوليفان حسب المحلل السياسي والخبير الروسي في شؤون الشرق الأوسط فيتشسلاف ماتوزف، هو أقل إيديولوجية وأكثر اعتدالاً من جون بولتون في نظرته لقضايا الشرق الأوسط. وموقفه في هذا المجال يتوافق إلى حد بعيد مع سياسات باراك أوباما الشرق أوسطية، ومع بعض الأطروحات الجديدة التي أظهرت تعارضها واختلافها مع سياسات إدارة ترامب في السنوات الأربع الماضية. يركّز سوليفان في العديد من مقابلاته الإعلامية على أهمية عودة "الحياة الطبيعية" للعلاقات الدولية للولايات المتحدة الأميركية. ويكرر مقولته في هذا السياق بالنسبة للشرق الأوسط: سأقوم بإضفاء الطابع الرسمي على مواقف واشنطن في المنطقة على النحو التالي:

يجب أن تعود الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران. بل وأكثر من ذلك ستؤدي المفاوضات الناجحة حول خطة العمل الشاملة المشتركة إلى بدء حوار أكبر مع طهران حول الأمن الإقليمي، وإبرام عدد من الاتفاقات حول عدد من القضايا أهمها: سلامة الملاحة، خفض ترسانات الصواريخ، سوريا، اليمن ولبنان، إلخ. حتى أن سوليفان نفسه يقارن هذه العملية بسلسلة مماثلة من الاتفاقيات التي وقعتها الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفياتي في الثمانينات من القرن الماضي.

من جهة أخرى يحثّ سوليفان على وجوب انتقاد المملكة العربية السعودية أكثر، لا سيما بسبب انتهاكات حقوق الإنسان. ما يشير إلى احتمال تغيير مع مرور الوقت في النهج الاستراتيجي للولايات المتحدة تجاه المملكة، بما في ذلك تخفيض الوجود العسكري الأميركي فيها. ويرى سوليفان أنه من الممكن ربط بعض التوجهات الاستراتيجية للأجندة الثنائية، الأميركية-السعودية، بمدى "التقدم" في مجال حقوق الإنسان والتحول الاقتصادي والإصلاحات السياسية في المملكة.

يدعم مستشار الأمن القومي في إدارة بايدن الجنوح نحو الإستقرار في الشرق الأوسط (موقتاً على الأقل). وهذا يتطلب مفاوضات سلام بين إيران والأنظمة الملكية العربية في الخليج. ويرى أن محادثات إيرانية خليجية تحت رعاية الولايات المتحدة هي الوسيلة الناجعة لمواجهة تأثير مراكز القوى البديلة - الصين وروسيا.

ويصرّح سوليفان، أنه يجب أن تكون السياسة الأميركية في الشرق الأوسط أكثر واقعية. فإذا لم تكن واشنطن قادرة على تحقيق شيء ما، فعليها أن تقول ذلك. وفي هذا المجال يستشهد بقوله، كمثال باستحالة ضمان تغيير النظام في إيران، الأمر الذي كان مأمولاً في إسرائيل ودول الخليج.

ومن التوجهات التي يتبناها سوليفان حسب فيتشسلاف ماتوزف، أنه على الولايات المتحدة أن توقف أي مساعدات للسعودية وحلفائها في اليمن، وأنه يجب إنهاء الصراع في اليمن. لكن يجب على الدول إيجاد طريقة لضمان حماية السعودية من الهجمات الصاروخية وغيرها.

ومن وجهة نظر سوليفان، أنه يجب أن تقبل تركيا حقيقة أن دعم الولايات المتحدة للأكراد السوريين سيستمر، ويجب على الدول أن تضمن للأتراك أن الأكراد لن يشكلوا تهديداً لهم. وأنه يجب أن يكون للأكراد مستقبل سياسي في سوريا في أي حل للصراع في هذا البلد.

لم تبرر جامعة الدول العربية نفسها، ولم تصبح قوية مثل الاتحاد الأفريقي، من وجهة نظر سوليفان، الذي يرى أن الشرق الأوسط أصبح بحاجة إلى منظمة إقليمية جديدة، وأن الولايات المتحدة ستساعد في إنشاء مؤسسات إقليمية تخدم هذا الهدف.

كتب جيك سوليفان نفسه في مقالة له في مجلة "فورين أفيرز" الأميركية في مايو 2020: "إن أفضل وصفة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط هي تقليص دورها العسكري والاعتماد على الدبلوماسية "القوة الناعمة" والهياكل والتحالفات المستدامة".

و"أفضل استراتيجية هي أن تكون أقل طموحاً وأكثر طموحاً في آن. أقل طموحاً بشأن الوجود العسكري الأميركي ومحاولات تغيير البلدان من الداخل، وأكثر طموحاً في استخدام نفوذنا ودبلوماسيتنا لحث الدول على التراجع عن التصعيد وإعادة التوازن بين اللاعبين الإقليميين الرئيسيين".

وهكذا تبدو مقاربات سوليفان، في رأيي مشوبة ببعض الارتباك في رؤية الدور الاستراتيجي للولايات المتحدة في ما يتعلق بمصالحها في منطقة الشرق الأوسط.

في ضوء هذا التقدير، ومع الأخذ في الاعتبار الأثقال الداخلية المرمية على عاتق الإدارة الأميركية الجديدة، من "كورونا" إلى الوضع الاقتصادي المأزوم، إلى الندوب البليغة التي أصابت الديموقراطية والانقسام الحاد في المجتمع الأميركي بنتيجة الإنتخابات الرئاسية، أعتقد أنه لن يكون هناك حيز من الاهتمام عند إدارة بايدن بقضايا الشرق الأوسط الذي يقبع على صفيح ساخن خلال المئة يوم الأولى من حكمها على الأقل. فهل نشهد في هذه الحالة مبادرات من القوى المحلية تسهم بولوج خيار التسويات للأزمات المستفحلة على أكثر من صعيد في معظم بلدان المنطقة، أم أنهم سيبقون أسرى المعادلات الدولية وإملاءاتها عليهم؟


MISS 3