بشارة شربل

لو يعود الإمام

31 آب 2019

المصدر: نداء الوطن

01 : 58

اليوم في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر، يفترض أن يتوقف الانشاء وكلمات المدح والتبجيل. فالرجل المتواضع الذي وضع نفسه في خدمة الناس كان أبعد ما يكون عن المظاهر والخطب الرنانة التي تتكرر كل عام.

لا شيء إضافياً يقال في الإمام الصدر. فذهبُ معدنه لامعٌ رغم عام وأربعة عقود، وسيبقى في ضمير اللبنانيين شيعة وغير شيعة صاحب ذكرى طيبة ونموذجاً يحتذى في السلوك الشخصي القويم، وفي نصرة الضعيف، وفي الحفاظ على السلم الأهلي.

اليوم، وفي ذكراه العطرة، يجب أن نقلب ظهر المجن للغة الخشبية والوعود بكشف ما خفي من اسرار الاختفاء، فنتحدث ببساطة عن وضعنا الحالي، وعن واقعنا المرير، وكيف وصلنا إقتصاداً وسياسةً وثقافةً ومستوى حياة ودولة الى هذا الحضيض.

ومِن وصفنا الصادق لهذا الواقع نخاطب إمامنا المغيّب، فنخبره بما صنعنا بلبنان، وكيف أنّ الحرب الأهلية التي اعتصم وأضرب عن الطعام احتجاجاً على استمرارها تحوّلت سلماً أهلياً بارداً، وكيف أنّ النار تحت الرماد، فلا تمر حادثة عادية الا وحذّر الزعماءُ من "فتنة" كما لو أننا نعيش قبائل لا مواطنين، او كأن الأمن سائر بالتراضي ولا تفرضه دولة ذات سلطان.

ماذا عسانا أن نقول للذي توجه إلى دير الأحمر تحت الرصاص ليفكَّ عنها حصار القوى العشائرية و"الإسلامو- يسارية"؟، هل نحدّثه عن المادة 80 من الموازنة أم المادة 95 من الدستور الخاضعة للقيل والقال، أم عن مشاكل النفايات والكهرباء وقصص لاسا والوقف الماروني، والري والمياه بين بعض مناطق الشمال؟ أم نقول له أنّ المئتي ألف قتيل وجملة الحروب التي حصلت في لبنان انتهت إلى تزوير الديموقراطية ووصول كارهيها إلى أعلى المناصب وأنّ الدولة تخدم الدويلة والانسجام تام بين المتهاونين بالسيادة واستراتيجية الدفاع وبين أصحاب النفوذ والسلاح.

ماذا نقول للإمام؟ أنقول له إنّ من يطالبون بعودته من أهل بيته حلفاءُ نظام يُعتبر نظام القذافي الخاطف بالنسبة إليه كشافَ رسالة أو جمعية صليب أحمر أو هلال؛ وإن إخوتهم تصدّوا لثورة الشعب السوري بغية إنقاذ نظام حزب بزَّ جماهيرية القائد كل "محاسن" الأفعال؟ أم نقول له إننا نرهن البلاد وأهلها لقرار طهران وطموحها النووي وإننا على وشك خوض حرب يمتزج فيها التصدي للعدوان بتحريك ورقة في ملف سميك يحمله جواد ظريف إلى نظرائه في عواصم القرار؟

حبذا لو يعود الإمام. لتخيلناه حاملاً السوط نفسه الذي طرد به المسيح الباعة والفريسيين من الهيكل، ولَأعاد بعض الأمل للبنانيين التائقين إلى الهجرة هرباً من سلطة أفقرتهم بفعل وقاحتها وصفقاتها ومحاصصاتها ومؤتمراتها التي تُفقر الناس وتنوي تدفيعهم "العلاج المؤلم" فيما هي أصل العلّة وبيت الداء.

حبذا لو عاد الإمام. لكننا نخشى أن يعود أدراجه مفضلاً استمرار الغياب.


MISS 3