خالد أبو شقرا

حبّة ثانية تفرط من عنقود القطاع المصرفي

"حزب الله" يستجلب العقوبات لـ"جمّال ترست بنك"

31 آب 2019

02 : 35

صاحب شعار "منحكي لغتك" تحوّل الى حديث الساعة (أرشيف)
المصرف صغير، وحجم ودائعه لا يشمل أكثر من 0.39 في المئة من حجم الودائع في القطاع المصرفي، وهو لا يعتبر مصرفاً مراسلاً مع الخارج، بل تتمّ عملياته بواسطة غيره من المصارف. كل هذا صحيح، إنما "JTB" يشكّل في النهاية حلقة في دائرة النظام المصرفي، وان لم يكن لفرطها نتائج مادية هائلة، فهي تشكّل ضربة معنوية، تؤدّي الى مزيد من تراجع الثقة داخلياً وخارجياً، في ركن أساسيّ من أركان الإقتصاد اللبناني الهشّ.

لم تتأخر الولايات المتحدة الأميركية في إدراج "جمّال ترست بنك"، على لائحة مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأميركية "OFAC" بوصفه ضالعاً في رعاية وتقديم الأموال لـ"حزب الله"، ومتورطاً في تقديم خدمات ماليّة الى "المجلس التنفيذي" لـ"الحزب" وبعض المؤسسات الأساسية مثل "مؤسسة الشهيد". القرار أُتبع بتعليق صريح وخطير لوزير الخارجية الأميركي مارك بومبيو، أكد فيه أن ما حصل "يعكس عزمنا على محاربة نشاطات "حزب الله" غير الشرعية والإرهابية في لبنان"، مضيفاً "سنستمر باستهداف أشخاص ومؤسسات ضالعة في تمويل وتقديم الدعم لـ"الحزب".

الودائع محمية

صاحب شعار "منحكي لغتك"، تحول الى حديث الساعة، خصوصاً في قاعدة عملائه، الذين تفاجأوا صباح البارحة في فرع بعلبك بامتناع الفرع عن صرف رواتبهم وإنجاز معاملاتهم، عازياً السبب إلى امتثاله لأوامر مصرف لبنان، وطالباً "من عملائه المراجعة يوم الثلثاء المقبل".

إذاً كان من حسن حظ لبنان أن "جمّال ترست بنك" يعتبر مصرفاً صغيراً، إن كان لجهة عدد المودعين أو كمية الودائع وحجم أعماله، إلا "أن قرار الخزانة الأميركية يؤثر على معظم المصارف، وهو ما نلاحظه مما يجري تداوله في داخل القطاع"، يقول استاذ العلوم المالية في الجامعة الأميركية سليم شاهين. الأحكام التخفيفية للعقوبات الأميركية لا تلغي أن المصرف هو كيان قائم يملك 25 فرعاً على الأراضي اللبنانية كافة، وهو نشط خلال الأعوام الماضية في دعم الأعمال الصغيرة من خلال إقراض أكثر من 96 مليون دولار لما يقرب من 60 الف مقترض، واحتل الترتيب 25 لجهة الموجودات، والـ 24 لجهة ودائع العملاء، من حجم القطاع المصرفي ككل. وبالتالي فان عدم تدارك الأزمة بسرعة سيولد حالة ذعر كبيرة، ستتمدد الى غير مصارف، خصوصاً مع وجود مصرف جديد " nominé " في المستقبل القريب من قبل " OFAC".

بالرغم من أن تعليق حاكم المصرف المركزي لموقع "Arab economic news"، بأن "كل الودائع الشرعية مؤمنة في وقت استحقاقها حفاظاً على مصالح المتعاملين مع المصرف"، فليس أمام المركزي بحسب شاهين، إلا حل من اثنين "إما العمل على دمجه مع مصرف أكبر، وذلك كما حصل بدمج "البنك اللبناني الكندي" مع "سوسيته جنرال"، أو الدخول في عملية إنتقالية من خلال تعيين مدير مسؤول من أجل تنظيف وتغيير المعادلة التي يعمل على أساسها".

الخيارات المرّة

أحلى الحلّين يبدو مراً، فبالإضافة الى الوقت الذي تتطلبه عملية الدمج، فهو خيار مستبعد نتيجة الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها القطاع المصرفي، و"عدم رغبة المصارف في التورط مع مصارف متهمة بتمويل الإرهاب من الخزينة الأميركية"، يقول الخبير المصرفي دان قزي، ويضيف أنه "بغض النظر عن صحة أو عدم صحة التهم التي سيقت في وجه البنك، أو مهما كانت الحجج التي يمتلكها، فلا يوجد مصرف استطاع الدفاع عن نفسه بوجه اتهامات الخزانة الأميركية. فهي لا تفسح المجال للنقض بشكل سهل، وان تم الإستئناف فهو يتطلب الكثير من الجهد والوقت، اللذين لا يصبان في مصلحة أي مصرف". أما بالنسبة الى الخيار الثاني المتمثل بتغيير إدارة البنك، فهي تعني تغيير العائلة المالكة، وهو أيضاً يعتبر برأي أحد المعنيين خياراً مستبعداً. الأكيد، أنه لغاية اللحظة الحل ما زال ضائعاً وتوقف المصرف عن اتمام العمليات واقفال ابوابه يعتبر أمراً طبيعياً في مثل هذه الحالات. اما الأخبار التي تم تداولها عن نقل الحسابات النظيفة الى "فرنسبنك" فتم نفيها، مع تأكيد الأخير "إمكانية التعاون في حال طلب المصرف المركزي".

لن يكون الأخير

من "اللبناني الكندي"، مروراً بدعوى الشعب الأميركي بحق 11 مصرفاً بتهمة تمويل "حزب الله"، وصولاً اليوم الى "جمّال ترست بنك" تبدو الإدارة الأميركية أكثر من جادة بتجفيف مصادر تمويل "حزب الله". وإن كانت دعوى الشعب الأميركي بحق المصارف تعتبر مدنية، فان الخطورة تكمن في عقوبات وزارة الخزانة، وإدراج المزيد من المصارف اللبنانية على لائحة " OFAC"، وبحسب شاهين، فنحن "سائرون باتجاه المزيد من الحذر بالتعامل مع المصارف اللبنانية. فالمصارف، وإن كانت تتخذ كل الحيطة والحذر سواء بالامتثال للمعايير العالمية وتعزيز السيولة وتطوير الخبرات القانونية والعملية تبقى الخطورة تكمن في تشكيل المصارف ركيزة الاقتصاد اللبناني، وأي خلل سيؤدي الى تعميق المشاكل الإقتصادية". السياسات الحمائية التي تتخذها المصارف اللبنانية في مواجهة العقوبات الأميركية تبدو معركة غير منصفة. فآلية العقوبات بدأت تسلك مساراً جدياً أكثر خطورة، فلم تعد الأمور تقتصر على التهديد بل ان الملف بدأ يفتح ورقة بعد أخرى. وان كان من دلالة فهي مزيد من انكشاف القطاع المصرفي اللبناني على الصراع في الأقليم، وعلى سياسات "حزب الله". وهو ما يرتب مزيداً من المخاطر على القطاع والإقتصاد.


MISS 3