سويف: نصلّي لكي يتحرر لبنان من إيديولوجيّاتٍ تسعى الى تغيير اختباره التاريخي

11 : 49

إحتفل رئيس أساقفة أبرشية طرابلس المارونية، المطران يوسف سويف، لمناسبة عيد مار مارون،بالقداس الالهي في كنيسة مار مارون في طرابلس صباح اليوم الثلثاء.

عاونه المونسنيور نبيه معوض و الخوري راشد شويري بالاضافة الى لفيف من الكهنة، وشارك في القداس مطران طرابلس وعكار للروم الملكيين اندريه ضاهر.

وقد غاب المؤمنون عن القداس للأسباب الصحية في البلاد، وتابعوا وقائع الاحتفال عبر المنصات الالكترونية التابعة للأبرشية.

خلال القداس الالهي،ألقى صاحب السيادة عظة شدّد فيها على روحانية العيد و صاحب العيد معتبرا ان " مار مارون، رجل الله المليء بحبّه وبالحقيقة، ترك كل شيء ليتبع يسوع المسيح ويكون مثله (حبّة حنطة تموت في الأرض)، لتثمر إنسانيّةً ورحمةً وشفاءات".

مؤكدا ان مار مارون تبع الله اولا " تبعه بعد أن التقى به وشُفيَ هو أوّلاً، فأفاض الله عليه نعمة شفاء الناس."

مشيرا الى انه "على مثال شفيعنا، كنائسنا وأديرتنا مدعوّة كذلك لتكون الواحة الرروحية و الانسانية حيث تتواصل موهبة الشفاء، شفاء الإنسان بكلّيّته، نفساً وروحاً وجسدا" وكذلك أيضا "كنيستنا المارونيّة، على مثال قدّيسها، مدعوّة في مسيرتها أن تكون حاضرة في لبنان وفي الشرق الأوسط وفي العالم، حضوراً شافياً، مرافقاً، حضوراً يتّسم بالعمق الإنساني والحوار الثقافي لنشر الحبّ والتفاعل مع الأديان الأخرى".

وخلال العظة دعوة لافتة لسويف متوجها فيها الى الكهنة طالبا منهم عدم منع القربان عن الناس قائلا: " أدعو نفسي وأدعوكم ألّا نمنع شعبنا من القربان، فرسالتنا هي أن نحمل المسيح الى شعوبنا".

وفي عيد مار مارون صرخة من قلب طرابلس لتضميد جراح الوطن، اذ رأى راعي ابرشية طرابلسا نه" في لبنان، نريد أن ينعم الإنسان بالسلام والطمأنينة والإزدهار. إذ أنّ من حقّ كلّ مواطنة ومواطن العيش بحريّة وكرامة. فرسالة لبنان هي لقاء جميع أبنائه في الإخوّة والإحترام المُتَبادَل، إنّها الثقافة اللّبنانيّة التي ترسم ملامح هويّة هذا الوطن الحبيب".

مضيفا ان " طرابلس المجروحة هي صورة واقعيّة عن هذا الوطن، إذ تجسّد في قيَمها الروحيّة والإنسانيّة والوطنيّة خصوصيّته. فلا يجوزَنَّ أن تؤخَذ المدينة الى مكان آخر غريبٍ عنها، من هنا وَجُبَ إنصافها إجتماعيّاً وتنمويّاً".

ومعتبرا ان "لبنان مجروحٌ ومتألّم، فتعالوا نرفع دعاءنا الى الله حتّى يهب وطننا نعمة الشفاء.

لبنان مسلوبٌ ومخطوف، تعالوا نصلّي لكي يتحرّر من أيادٍ وأصواتٍ وإيديولوجيّاتٍ تسعى أن تغيّر اختباره التاريخيّ.

لبنان مقيّد بممارسات وذهنيّات تناقض نظرته الوجوديّة الى الحياة وعيشه الوطني الواحد المنفتح والمشترك.

على لبنان أن يعود ليكون هذا النموذج الحضاري الذي تنشده اليوم الأمم والعالم بأسره، عالم (الأخوّة الإنسانيّة) حيث الجميع إخوة."

وفي ختام عظته ذكّرسويف" بدعوة البابا فرنسيس في تجديد إنسانيّتنا بناءً على المحبّة الشاملة على اختلاف أدياننا التي يجب أن تكون في خدمة الإنسان".

كما برسالة قداسة الحبرالاعظم للمسؤولين في لبنان يوم أمس خلال استقباله السلك الدبلوماسي التي طالب فيها ان "يتعهّد جميع القادة السياسيّين والدينيّين، واضعين جانبًا مصالحهم الخاصّة، بالسعي لتحقيق العدالة وتنفيذ إصلاحات حقيقيّة لصالح المواطنين، فيتصرّفوا بشفافيّة ويتحمّلوا مسؤولية أفعالهم.







وفي التالي نص العظة كاملة:


وشفى أمراضنا


إخواني الكهنة، يّها الإخوة والأخوات الأحبّاء،


نحتفل هذه السنة بعيد شفيعنا القدّيس مارون بطريقة مختلفة، بسبب ما تفرضه إجراءات مواجهة وباء كورونا. أتمنّى الشفاء لجميع المرضى والمتضايقين والراحة الأبديّة للموتى وأعزّي كلّ مَن فقد عزيزاً بسبب هذا الفيروس الفتّاك.

مار مارون، رجل الله المليء بحبّه وبالحقيقة، ترك كل شيء ليتبع يسوع المسيح ويكون مثله، "حبّة حنطة تموت في الأرض" (يوحنّا 12/24) لتثمر إنسانيّةً ورحمةً وشفاءات.

تبعه بعد أن التقى به وشُفيَ هو أوّلاً، فأفاض الله عليه نعمة شفاء الناس. كذلك كنيستنا المارونيّة، على مثال قدّيسها، مدعوّة في مسيرتها أن تكون حاضرة في لبنان وفي الشرق الأوسط وفي العالم، حضوراً شافياً ومرافقاً، حضوراً يتّسم بالعمق الإنساني والحوار الثقافي لنشر الحبّ والتفاعل مع الأديان الأخرى لعيش الغفران وبناء السلام الذي يقود الى الحريّة. حرّيّة تأتي من اللّقاء بالربّ يسوع، الطبيب الشافي من جراح الأنانيّة والبغض والكبرياء والخطيئة.

تبعه فتجدّد بإنجيله الحيّ، وتغذّى بالقربان المقدّس، فراح يخدم الفقراء والمتروكين والجرحى ويعيد الكرامة للرجال والنساء المهمّشين. كان رجل صلاةٍ، "صلاة القلب"، وهي حوار مع الخالق يؤدّي الى الحوار بين الشعوب فتجدّد الأخوّة الإنسانيّة فيما بينها وتقود الى السلام الذي يترسّخ "بالتربية والعدالة" (من وحي وثيقة الأخوّة الإنسانية، أبو ظبي 4 شباط 2019). وهكذا تتعزّز قيمة الأخوّة الإنسانية في عقول جميع الناس وقلوبها فتواجه البشريّة كلّ أنواع الظلم والتمييز.

كنائسنا وأديرتنا مدعوّة على مثال القدّيس مارون، أن تكون الواحة الروحيّة والإنسانيّة حيث تتواصل موهبة الشفاء، شفاء الإنسان بكلّيّته، نفساً وروحاً وجسداً، من خلال ضمّ صليب يسوع الى كيانه الإنسانيّ؛ شفاءٌ يتحقّق بتناول القربان. وهنا أدعو إخواني الكهنة أن يوزّعوا جسد المسيح على المؤمنين متّبعين كلّ سبل الوقاية المطلوبة. فالقربان نعمة لا يمكن أن يُحرَم منها شعبنا، هي المسيح عينه الذي يشفي ويعزّي. فعندما ننشد "قد اتّخذتك يا ابن الله زاداً لي في السفر"، نتقوّى بالمسيح الحيّ، ونحن اليوم في سفر طويلٍ وفي صحراء هذا الوباء الذي يخلق العزلة وانقطاع الروابط الإنسانيّة. بالمسيح نغلب وننتصر فهو قوتنا وقوّتنا، هو خبز السماء وطعام الملائكة، وهو مجدّد حياتنا.

نعم، أيّها الأحبّاء، الربّ هو مصدر الشفاء، فهو يشفي جراح بشريّتنا الضعيفة. فمجتمعنا بأسره بحاجة الى شفاء. فلنفتح قلوبنا للربّ لنُشفى في عمق أعماقنا، ولْنشكره على كلّ نِعَمِه التي تتجلّى بجهوزيّة أبطالٍ يعرّضون أنفسهم للخطر لعناية المرضى ومآساتهم. نحيّي الجهاز الإستشفائي الطبّي والتمريضي وجميع المتطوّعين، والمؤسّسات التي تخدم بسخاءٍ وفرح وننحني أمام تضحياتهم؛ ونثمّن خدمة الجمعيّات الدينيّة والمدنيّة التي تتضامن بحبٍّ وفرح مع كلّ إنسانٍ متألّمٍ وفقير.  

    نحيّي معاونينا الكهنة والمكَرَّسين والعلمانيّين الحاضرين دوماً للخدمة الإجتماعيّة، لتأمين الإحتياجات الحياتيّة والدواء، ونشكر المواطنين الّذين رغم الضائقة الإقتصاديّة وشحّ المداخيل وحجز أموالهم في المصارف، يساهمون ممّا توفّر لديهم للوقوف الى جانب الأكثر جوعاً وعوزاً. ولا يسعني إلّا أن أشكر بافتخار اللّبنانيّين المنتشرين في العالم الّذين يقدّمون الدعم بسخاءٍ لذويهم. فإلى مزيد من العطاء والتضامن والإنسانيّة.


أيّها الأحبّاء، 

    عيد مار مارون هو عيد الإنسانيّة، والعيد الذي من خلاله يتضامن الإنسان مع أخيه الإنسان.

    عيد مار مارون هو تجسيد لاهوت الخدمة وروحانيّتها في المجتمع البشري، حيث تكمن هويّة الكنيسة المارونيّة وثقافتها، وهي التي من خلال مسيرتها واختبارها في مواجهة الصِّعاب، تقوّت وتشدّدت وحوّلت الصخر ملجاً لتعيش في أمان واستقرار وتنعم بالحريّة وتصون كرامة الإنسان.


    أجل أيّها الإخوة، نريد في لبنان أن ينعم الإنسان بالسلام والطمأنينة والإزدهار. إذ أنّ من حقّ كلّ مواطنة ومواطن العيش بحريّة وكرامة. فرسالة لبنان هي لقاء جميع أبنائه في الإخوّة والإحترام المُتَبادَل، إنّها الثقافة اللّبنانيّة التي ترسم ملامح هويّة هذا الوطن الحبيب. وطرابلس المجروحة هي صورة واقعيّة عن هذا الوطن، إذ تجسّد في قيَمها الروحيّة والإنسانيّة والوطنيّة خصوصيّته. فلا يجوزَنَّ أن تؤخَذ المدينة الى مكان آخر غريبٍ عنها، من هنا وَجُبَ إنصافها إجتماعيّاً وتنمويّاً. 

    لبنان مجروحٌ ومتألّم، تعالوا نرفع دعاءنا الى الله حتّى يهب وطننا نعمة الشفاء. لبنان مسلوبٌ ومخطوف، تعالوا نصلّي لكي يتحرّر من أيادٍ وأصواتٍ وإيديولوجيّاتٍ تسعى أن تغيّر اختباره التاريخيّ. لبنان مقيّد بممارسات وذهنيّات تناقض نظرته الوجوديّة الى الحياة وعيشه الوطني الواحد المنفتح والمشترك. على لبنان أن يعود ليكون هذا النموذج الحضاري الذي تنشده اليوم الأمم والعالم بأسره، عالم "الأخوّة الإنسانيّة" حيث الجميع إخوة. وقد احتفلت البشريّة باليوم العالمي للإخوّة الإنسانيّة الذي أعلنته الأمم المتّحدة في 4 شباط من كلّ سنة، إذ أرسى مبادئه قداسة البابا فرنسيس في رسالته البابويّة في الأخوّة والصداقة الإجتماعيّة: "جميعنا إخوة - Fratelli Tutti" (3 تشرين الأوّل 2020). إنّها دعوة من الحبر الأعظم "لتجديد إنسانيّتنا" بناءً على "المحبّة الشاملة على اختلاف أدياننا التي يجب أن تكون في خدمة الإنسان"، ودعا البابا "أن نكون الى جانب الذّين يحتاجون الى المساعدة، بغضّ النظر عمّا إذا كانوا ينتسبون الى دائرة الإنتماء نفسها" (Fratelli Tutti، فقرة 81). بذلك نعود ونكتشف أنّنا إخوة في الإنسانيّة على تنوّعنا الديني والثقافي الذي هو غنىً، ونرفض أي حاجز وعائق يفرّقنا ويقسّمنا ويمنعنا من اللّقاء والتفاعل "كعائلة بشريّة واحدة". 





    نطلب الشفاء للوطن الحبيب ولمنطقتنا المجروحة من المواقف التي تولّد الحرب والتشرذم والعداوة وتجرح مشاعر الأجيال الجديدة وتغيّر أذهانها. وما النتيجة؟ خسارة تلوَ الأخرى للفكر والحلم، ولثقافة اللّقاء والحوار والمحبّة. 

    نطلب نعمة الشفاء لكلّ مَن هو في سدّة المسؤوليّة مذكّرين بما أورده في الأمس البابا فرنسيس حول لبنان بأن: "يتعهّد جميع القادة السياسيّين والدينيّين، واضعين جانبًا مصالحهم الخاصّة، بالسعي لتحقيق العدالة وتنفيذ إصلاحات حقيقيّة لصالح المواطنين، فيتصرّفوا بشفافيّة ويتحمّلوا مسؤولية أفعالهم" (خطاب قداسة البابا فرنسيس إلى الدبلوماسيّين المُعتَمدين لدى الكرسي الرسولي بمناسبة اللقاء السنوي لتبادل التهاني بالعام الجديد، 8 شباط 2021). فأين أنتم من وجع الناس، وأين الضمير والإنسانيّة والنبل والشجاعة في أخذ القرار والموقف الجريء الذي يحرّر المواطن لينعم بالعيش الكريم ويحرّر لبنان فيستعيد رسالته. فأمام خطر فقدان الهويّة اللّبنانيّة تمنّى قداسته "تجديد الإلتزام السياسي الوطني والدولي من أجل تعزيز استقرار لبنان، الذي يمرّ بأزمة داخلية والمُعرَّض لفقدان هويّته ولمزيد من التورُّط في التوتّرات الإقليمية." (خطاب قداسة البابا فرنسيس إلى الدبلوماسيّين المُعتَمدين لدى الكرسي الرسولي بمناسبة اللقاء السنوي لتبادل التهاني بالعام الجديد، 8 شباط 2021).


في هذا اليوم المبارك، وبشفاعة العذراء مريم (شفاء المرضى) ومار مارون ومار يوسف البارّ، أمطِر يا ربِّ مراحمك علينا فتلمُس وطننا وكياننا وتشفينا.

آمين

MISS 3