فادي كرم

تسويات للوطن أو صفقات ضدّه؟

13 شباط 2021

02 : 00

دخلت البلاد في مرحلةٍ سياسية جديدة، تتّسم بالمحاولات الكثيفة لبعض طبّاخي السمّ، لإنتاج وليمة إخراج سلطتهم الفاشلة من عنق الزجاجة التي أدخلت نفسها فيها، الى مرحلةٍ جديدة، قِوامها الصفقات الشيطانية المُريبة. فطبّاخو السلطة الذين امتهنوا المهمّة، وورثوها من عباقرة التركيبات في زمن إدارة النظام السوري للبنان، يستميتون لنقل البلاد من مرحلة الانتظار الغليظ والمُكلف والمُعبَّأ بروائح الفضائح المُخيفة، ونشر الغسيل الوسخ، الى مرحلةٍ جديدة من استكمال إخضاع الوطن للعرقلات وللحصارات وللإلغاءات وللشروط المُميتة والمُهينة.

إنعكس منطق الصفقات التحاصصية الذي اعتمِد في القرن الماضي سلباً بشدّة على المجتمع اللبناني بأكمله، من مجتمع سياسي، الى إعلامي وأكاديمي وصناعي، حيث تأقلم المجتمع اللبناني مع جوّ الصفقات السياسية المجبولة بالمصالح، ممّا أراح المايسترو الحاكم، وكان لكلّ فريق من الأفرقاء أسبابه للتعايش مع ذلك الواقع. فمنهم من كان شريكاً وما زال، ومنهم من خضع وما زال، ومنهم لحرصه على السلم الأهلي والاستقرار وما زال، ومنهم من كان منتظراً اللحظة المناسبة لطرح المشاريع الإصلاحية التي تعْكس المسار التنازلي الى مسار بنّائي.

ولكن مع وصول لبنان الى الوضع المهترِئ الحالي، كنتيجة لتلك السياسات الخاطئة التي تنتمي لمفهوم دولة المزرعة، فقد أصبح الاستمرار بالواقع ليس الا خيانة عُظمى. فالأضرار معروفة والعواقب حتمية، والتمادي بالمسار التقهقري ليس خطوة في المجهول، بل عن سابق تصوّر وتصميم. وقد يكون لبعض الأفرقاء قصد بذلك وتخطيط للوصول الى هذا الدرْك، ولكن ماذا عن أكثرية الأفرقاء اللبنانيين الرافضين لإلغاء وطن الأرز؟؟؟

لا يمكن الخلط أو المُشابهة بين مفهوم الصفقات التي تتمّ بين أفرقاء سياسيين، هدفها الاستيلاء على السلطة والبقاء فيها بأيّ ثمن، وبين مفهوم التسويات الوطنية. فللتسويات منطق علمي واضح، نتاج ثقافة الحوار بين المتباعدين والمتنافسين والمتخاصمين وحتّى المتحالفين. ولهذه التسويات قواعد وشروط ومرتكزات وظروف، وحسابات مستقبلية، ولذلك لها أيضاً مكاسب وخسارات، خاضعة لميزان النسبية. وإن استطاع الأفرقاء الأساسيون للبلد الارتقاء الى هذا المستوى من النقاش والأهداف، فهذا يعني أنّ منطق الدولة قد ساد وطنياً مكان منطق التحاصص والتقاسم.

تعرّض وطن الأرز على مدى عقد كامل، للغزوات والاحتلالات، ولمصادرة القرارات الوطنية، فعمد المسؤولون السياسيون فيه للقبول بالتعايش مع نهجٍ مُناف ومُناقض للادارة الرشيدة لدولة المؤسسات. وقد استغلّ هذا الواقع كلّ الأطراف الهادفة لالغاء وطن الحرّيات في هذه المنطقة من العالم. وأمام هذه الهجمات الشرسة من الطامعين والطامحين، سقطت جميع الحركات السيادية، إمّا خسارةً لبعض الأحزاب والقوى السيادية كنتيجة للتفاهمات الاقليمية، وإمّا فشلاً كحركة 14 آذار السياسية، نتيجة الصفقات التراجعية، هادرةً بذلك حلم الشعب اللبناني للتأسيس للدولة الحقيقية، أي دولة المواطنية. ولكن أقسى الخسارات للفرص الذهبية، كانت مع وصول ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، حيث حوّل الدولة ثكنة السلطوية، القوية على شعبها، والضعيفة امام الدويلة التي تمصّ ارزاقها.

ما بحاجةٍ له لبنان حالياً، تولّي فريق سياسي يتمتّع بالقدرة والقيادة مسؤولية الانقاذ، فريق يتمتّع بالنظرة والخبرة للمضيّ بمشروع بناء الجمهورية القوية، فريق يعلم أنّه ليس بالاستئثار بالمعارضة تتوحّد الجهود لقلب الطاولة على هذه السلطة المُدمِّرة، فريق مستعدّ للتعاون مع أمثاله من السياديين وأصحاب المشاريع لبناء دولة المؤسسات الحقيقية، لسحب لبنان من براثن الوحش الاستبدادي التخلّفي المتحجّر، وإعادته الى إرثه الحضاري.

لقد استطاعت "القوات اللبنانية" أن تثبت استعدادها لتحمّل هذه المسؤولية، وأعلنت ذلك مراراً، ودعت آخرين الى تكاتف الأيادي والجهود للانتقال الى معركة تحرير لبنان من السلطة الحالية الخاضعة للدويلة. فـ"القوات" عندما تعلن ذلك تكون جدّية لأنّ تاريخها النضالي مثالي، وأداءها في السلطة نظيف، فلا القوة أغرتها للدخول في الصفقات، ولا السلطة أغرقتها في المحاصصات، فهي الحزب الذي امتُحن في الحرب وفي السلم، ولم تزل هيَ هيَ، لا نية لها بالاستئثار ولا هدفية لها بالتفرّد، جلّ ما تريد إنقاذ الوجود، وهنا هو التحدّي الحقيقي، فمن يتحمّل هذه المسؤولية مع "القوات اللبنانية"، أو ستبقى الصفقات والاستئثارات والعقد الشخصية غالبة على التسويات من أجل الوطن؟؟؟

MISS 3