بهاء الحريري

مستقبل لبنان

13 شباط 2021

02 : 00

كان يوم 14 شباط 2005 من احلك أيام حياتي. لكن اثناء الإبحار في الظلام، كان من دواعي الراحة التي لا حد لها أن اعرف أنني لست وحدي. أولاً انضمّت إليّ في الحداد عائلتي الحبيبة، وعائلات الضحايا الـ21 الآخرين، كما انضم اليّ بعد ذلك الدعم المتدفق من مئات الآلاف من المواطنين العاديين الذين شعروا بإحساسهم بالخسارة ويخشون مستقبلاً في ظل العنف. ولكن اكثر من الراحة كان ذاك التقارب الجماعي أيضاً، مصدراً للأمل. لقد اعطاني الأمل وأنه من أعماق الحزن والشدائد يمكننا المثابرة. كل واحد يلعب دوره وفقاً لإمكانياته، ونتحد معاً لبناء شيء اكبر من مجموع اجزائه المتفككة.

اريد ان اقترح اننا لم نخسر كل شيء. لقد مر لبنان بتحديات وجودية من قبل. لقد عشنا حرباً أهلية دامت 15 عاماً دمرت البلاد، لكننا نجونا وحتى بدأنا في الازدهار قبل مأساة عام 2005. يمكننا القيام بذلك مرة أخرى. عندما أرى الناس يتقاربون ويجتمعون فإن ذلك يمنحني الامل.

ان احتجاجات العام الماضي التي قادها بشكل رئيسي الشباب اللبناني، كانت صريحة في مطالبها، ويجب تلبية هذه المطالب. هي ليست شائنة وليست متطرفة، انها مطالب بالحقوق المشروعة والقيم الديموقراطية الأساسية. طالبت باقتصاد ووظائف يمكن ان تساعد لبنان على ان يكون الوطن الذي يجب ان يكون بحق. لمطالب الشباب رؤية للبنان غير طائفية، وخالية من الفساد، وأغلال الماضي. هم يتصورون مستقبلاً حيث يمكن للجميع – بغض النظر عن الخلفية – متابعة أحلامهم.

اريد ان اقطع عهداً للشعب اللبناني. اريد ان أقوم بدوري كرجل اعمال لدعم جهود الآخرين الذين يعملون بجد لإحداث تغيير حقيقي ومستدام وايجابي للبنان.

لقد كنت رجل اعمال منذ بلوغي حتى الآن، وأحد اهم الدروس التي تعلمتها هو الاستماع الى الآخرين ومساعدتهم على تحقيق نجاحهم من خلال توفير البيئة وحتى مكان عمل يشجع الافراد والشركات الذين يسعون الى حل المشكلات الحقيقية. كانت هذه مهمتي.

في بعض الأحيان كان هذا يعني دعم الشركات، وخلق فرص العمل من خلال مشاريع البنية التحتية الضخمة، وفي أوقات أخرى كان يعني توفير التمويل الأولي للشركات الناشئة برؤية واضحة ولكن ينقصها التمويل. لا توجد مبادرة واحدة تنقذ لبنان او تبعده عن حافة الهاوية، ولكن معاً، يمكن حتى للجهود المحلية ان تتضافر لإنشاء قوة لإعادة البلد بأكمله الى وضع متساو، سواء كان الامر يتعلق بإنشاء مطابخ لمعالجة إنعدام الامن الغذائي، او تقديم الأدوية للتعامل مع الازمة الصحية الحالية، او توفير التدريب المهني للحد من البطالة، او جمع الافراد المتشابهين في التفكير وتمكينهم من بناء لبنان افضل. ان مثل هذه المجموعات من الأنشطة في المجتمع المدني يمكن ان تؤثر معنوياً وتقوم بالتغيير المنهجي.

انا حريص على تقديم دعمي للذين يسعون للبناء من اجل المستقبل، بطريقة تستغل نقاط القوة لدى الشعب اللبناني. لطالما كنا رواد أعمال، سواء كمبدعين بارعين او تجار شجعان. لقد بُني بلدنا على التجارة وستتم إعادة بنائه وستكون الاعمال أحد أسسه.

ان فرص توفير التدريب المهني للشباب، واحتضان الشركات الناشئة، او مجرد انشاء علاقات مع المجتمع الدولي هي طرق طويلة الاجل ومستدامة لمساعدتنا على الوقوف على اقدامنا الآن.

أولئك الشجعان بما يكفي لتقديم هذه الانواع من الفرص يجب ان يحصلوا على دعمنا الصادق. في كثير من الأحيان، نرى ان افضل النوايا يخنقها مناخ الزبائنية، او الافتقار الى الالتزام المالي من المصارف، او ببساطة الجهود اللازمة لتجاوز الروتين. يجب ان يتغير ذلك، لأنه أيضاً وببساطة لا يمكننا ان نفقد أي فكرة يمكن ان تخلق الثروة والفرص في بلدنا اليوم.

ان التحدي الذي يواجه لبنان الآن هو إيجاد الأشخاص الذين لديهم الحلول وخلق الوسائل والطرق لافكارهم لتصبح حقيقة. لن يكون هذا سهلاً او بسيطاً، ولكن يجب علينا الاصغاء والاستماع الى الأصوات الجديدة وافساح المجال لمستقبلها.

لم اعد انظر الى ذلك اليوم قبل 16 عاماً بغضب. أتطلع الآن بأمل. أمل للبنان الذي اعرف انه يمكن ان يكون. اذا اخذنا قفزة الايمان هذه معاً، يمكننا السيطرة على مستقبلنا، سوياً.


MISS 3