أحمد الأيوبي

بهاء الحريري: سياسةُ التنازلات كارثيّة وآثارُ عملنا ستظهر خلال عام

16 نيسان 2023

02 : 00

مع استئناف رجل الأعمال بهاء الحريري مساره السياسي عادت الأسئلة لتأخذ مكانها في سياق تقييم الموقف الوطني العام وفي مقاربة الفراغ الذي يعانيه أهل السنّة في لبنان، لتختلط الأوراق وتتصاعد النقاشات حول حقيقة واستمرارية ما يطرحه النجل الأكبر للشهيد رفيق الحريري وهل بإمكانه تحقيق ما يصبو إليه الرأي العام السنّي واللبناني بتقديم مشروع قابل للحياة يجمع بين الشراكة الإسلامية المسيحية وبين التوازنات الدقيقة التي يحتاجها الكيان اللبناني للبقاء وبناء الدولة.



إدارة جديدة تعمل لاستقطاب الطاقات

إختار بهاء الحريري إطلاق مشروعه بإدارة صديقه أحمد اليمن الآتي من عالم الأعمال والذي يعمل على استيعاب واستقطاب الطّاقات السنيّة وإطلاقها في مجالات السياسة والتنمية والاجتماع والتربية والصحة والبيئة والزراعة والأعمال والتكنولوجيا، وبناء البيئة الحاضنة للنهضة العلمية والثقافية والإنمائية بشكل مبسّط ومباشر، لكنّه يواجه واقعاً متصدِّعاً وحالة واسعة من الإحباط وغياب الثقة تراكمت على إنتاجها عوامل كثيرة، منها بعض المحطات السابقة وخاصة حركة "سوا للبنان"، ومنها ما هو متعلِّقٌ بالظروف السائدة منذ سقوط تجربة 14 آذار وتدهور الحضور السنّي في الدولة نتيجة التسويات المعقودة وصولاً إلى خروج الرئيس سعد الحريري من المشهد السياسي وترك المناطق السنية تواجه الانهيار بلا سند مع ما يعنيه ذلك من مخاطر.


كيف يُستكمل التحالف الوطني مع الكنيسة في السياسة؟

يرى المراقبون أنّ مشروع بهاء الحريري بدأ يتـّضح أكثر فأكثر من خلال ما يعلنه في سلسلة الإفطارات الرمضانية من مواقف تتناول قضايا الساعة والرؤية الإصلاحية والتحدِّيات التي يواجهها هذا المشروع مقابل تجذُّر المنظومة القائمة وأبرزها سلاح "حزب الله" وما يمثّله من تعطيل لقيام الدولة بالتوازي مع إصرارٍ لافت على تأكيد التحالف الوطني مع الكنيسة المارونية، وبقاء التساؤل عن المسافة الفاصلة بين التحالف الوطني وبين تكوين التحالف السياسي وكيف يمكن تحويله إلى واقع تحالفيّ يترجم في الاستحقاقات الانتخابية والدستورية؟


مشروع بهاء بانتظار ردود فعل اللبنانيين

خلال الأسابيع الماضية أطلق بهاء مشروعاً شاملاً تضمّن خطّة إصلاح الدفاع الوطني وخطة للإصلاح الدستوري ركّزت على تنفيذ اتفاق الطائف، وخطةً للإصلاح القضائي تحوي سُبـُلَ ضمانة استقلال القضاء، واستراتيجية مكافحة الفساد وخطةً للإصلاح الاقتصادي كما تناول رؤية لتطوير النظام الصحي العام بعناوين تشمل الشراكة بين القطاعين العام والخاص لإجراء التغييرات الضرورية في هذا القطاع.



من المنتظر أن يتعرّض هذا المشروع لمبضع النقد والتشريح لاستكشاف مدى صلاحيته للتطبيق، وإن كان بهاء الحريري قد وضع بعض العناوين التي تحدّى فيها نفسه من خلال الإعلان في إفطار طرابلس أنّه يُعطي نفسه وفريقه مهلة سنة لبدء ظهور نتائج مشروعه الخيري والتنموي في المناطق على أن تشهد الأشهر الستة الأولى بدايات التطبيق العملي وخاصة في مجالي الصحة والتعليم، كما كان لافتاً أنّه توقّع أن يكون في لبنان مطلع العام المقبل.



بدا بهاء الحريري مُلِمّاً بتفاصيل الواقع اللبناني وبأوضاع المناطق السنية، وظهر ذلك من خلال مداخلاته مع أهلها خلال الإفطارات الرمضانية وقد خاض حواراتٍ دقيقة تتناول شؤون كلّ منطقة بالتفصيل، وهذا ما أعطى الحوار بُعداً عملياً مع الاقتراب من الحديث عن حاجات المناطق التنموية المُلِحّة والاستجابة بتحقيق مبادرات تلبّي ما أمكن من هذه الحاجات.


استعادة النبض السنّي المفقود

لطالما اشتكى الجمهور السنّي من رفض سعد الحريري إيلاء أهل السنة الأولوية والقفز إلى البعد الوطني الذي كان يأتي غالباً على حسابهم، وهذا ما دفع بهاء إلى الإعلان بأنّ الشراكة الوطنية تعني التوازن وأنّ الهدف الأول هو استنقاذ الواقع السنّي على جميع المستويات، وأنّه لا تنازل عن أيّ حقٍّ من حقوق السنّة وأنّه شديد التمسّك بالتوازنات التي يكفلها الدستور وهي من شروط الشراكة الناجحة.



يرفض بهاء الحريري سياسة التنازلات المسبقة التي كان يتبعها شقيقه سعد عندما كان يرمي بأوراقه كلّها قبل أن يصل إلى طاولة التفاوض مع "حزب الله"، بينما يحتاج الاتفاق مع الحزب إلى استثمار العوامل الدولية والإقليمية بالتوازي مع الشراكة الوطنية للوصول إلى حلول تدفع الحزب نحو الاندماج في الدولة بعد أن أثبتت التجارب أنّ مسايرته في مساره الانقلابي كان خطيئة كبرى دفع اللبنانيون مقابلها أثماناً ثقيلة.


فرصة وتحديات

يعتبر الكثيرون أنّ الفرصة المتاحة لبهاء الحريري اليوم كبيرة لتحقيق دخول ناجح إلى الحياة السياسية، بسبب الفراغ المستحكم وغياب مرجعية سياسية وتنموية ترعى أوضاع أهل السنة، وإن كانت تقابِل هذه الفرصة تحديات أصعبها تداعيات الانهيار المالي وما يتركه من أوضاع معيشية شديدة الصعوبة يجب أن يتمكّن بهاء وفريقه من معالجتها وفق الأولويات الضاغطة، لكنّ مخاطر الفشل ستكون كارثية لأنّه ليس من السهل الحصول على ثقة الناس في كلّ مرّة.