جاد حداد

التأمل...مفيد لصحة قلبك؟

13 شباط 2021

02 : 00

يبدو أن ممارسة التأمل تُضعِف عوامل الخطر المرتبطة بأمراض القلب... يستعمل ملايين الناس اليوم التكنولوجيا المعاصرة لممارسة التأمل عبر تنزيل التطبيقات على هواتفهم الذكية. التأمل ممارسة قديمة لزيادة الشعور بالهدوء والاسترخاء. أدى سيل الأخبار العصيبة في السنة الماضية إلى ازدهار تطبيقات التأمل وسرعان ما تحوّل هذا المجال إلى قطاعٍ تصل أرباحه إلى مليارات الدولارات.

تكشف أدلة متزايدة أن التأمل قد يُحسّن أيضاً العوامل المرتبطة بصحة القلب والأوعية الدموية. تشتق أحدث الأدلة من مقالة نشرتها "المجلة الأميركية لطب القلب". حلل الباحثون فيها وضع أكثر من 61 ألف شخص شاركوا في استطلاعَين جديدَين من "استطلاعات المقابلة الصحية الوطنية" (في العام 2012 ثم 2017). اعترف 10% من المشاركين تقريباً بأنهم مارسوا شكلاً من التأمل. وبعد مراعاة العمر والجنس والنوم والاكتئاب وعوامل مؤثرة أخرى، استنتج الباحثون أن المجموعة التي تمارس التأمل كانت أقل عرضة لارتفاع الكولسترول وضغط الدم، ومرض السكري، والجلطات الدماغية، ومرض الشريان التاجي، مقارنةً بمن لم يمارسوا التأمل.

تنفّس واسترخِ

تتعدد أشكال التأمل ولم تتضح بعد الأنواع التي تعطي منافع محددة. لكن تشتق المنافع المرتبطة بصحة القلب على الأرجح من آلية كامنة ومشتركة.

يوضح الدكتور دارشان ميهتا، مدير طبي في معهد "بنسون هنري" لطب العقل والجسم في مستشفى "ماساتشوستس" التابع لجامعة "هارفارد": "تبطئ أنواع محددة من التأمل إيقاع التنفس، ما يؤدي إلى آثار فيزيولوجية مثل تراجع ضغط الدم". حتى أن التأمل قد يسمح بإطلاق استجابة الاسترخاء، ما يشير إلى تغيرات فيزيولوجية معاكسة لاستجابة الهرب أو المواجهة التي ترافق الضغط النفسي.

كان الدكتور هيربرت بنسون (مؤسس معهد "بنسون هنري" ومديره الفخري) أول من وصف استجابة الاسترخاء باعتبارها عملية تبطئ إيقاع القلب والتنفس وتُخفف استهلاك الأوكسجين. ويمكن تحقيق التغيرات نفسها أيضاً عبر تقنيات تأمل أخرى مثل التخيل الموجّه، والتاي تشي، واليوغا، والصلاة، أو حتى الحياكة.

ارتكزت دراسات بنسون الأولى عن هذه الظاهرة على ممارسي التأمل التجاوزي في أواخر الستينات. لكنه أدرك لاحقاً أن التغيرات التي تُحدِثها استجابة الاسترخاء لا تقتصر على هذا النوع من التأمل. فقد تطورت تجربة بشرية في جميع الثقافات للتصدي لسلبيات استجابة الضغط النفسي.

أداة لتطوير الانتباه والوعي

تشمل معظم الديانات الكبرى شكلاً من ممارسات التأمل، بما في ذلك البوذية، والهندوسية، والمسيحية، والإسلام. لكن يمارس عدد كبير من الناس التأمل بغض النظر عن المعتقدات الدينية أو الجوانب الروحية. يضع بعض الخبراء ممارسات التأمل في خانتَين: الانتباه المُركّز والمراقبة المفتوحة. يعني الانتباه المُركّز حصر التركيز على عنصر واحد: العدّ، كلمة أو عبارة، غرض (شمعة، شجرة، مسبحة صلاة...). أما المراقبة المفتوحة، فتشير إلى توسيع الوعي كي يشمل كل ما نختبره، بما في ذلك الأفكار والمشاعر، وحتى الأصوات والروائح والأحاسيس الجسدية.

يستعمل التأمل التجاوزي (ساهم فريق "البيتلز" في ترويجه خلال الستينات) شعارات معينة. ويجمع التأمل المبني على الاسترخاء الذهني (كان شائعاً جداً في العقود الأخيرة) بين الانتباه والوعي. كذلك، ترتكز أشكال أخرى من التأمل على الهدوء والتركيز (ساماثا)، أو عمق البصيرة (فيباسانا)، أو الحب واللطف (ميتا).

طريقة لتخفيض ضغط الدم

ربما يتعلق أفضل دليل حول تأثير التأمل على صحة القلب بقدرته على تخفيض ضغط الدم، مع أن آثاره تختلف من دراسة إلى أخرى. مع ذلك، تفسّر دراسة أجراها معهد "بنسون هنري" في العام 2018 الآلية الكامنة وراء هذه الظاهرة: في بعض الحالات، يبدو أن افتعال استجابة الاسترخاء بانتظام يُنشّط الجينات المرتبطة بتوسيع الأوعية الدموية مقابل تعطيل الجينات المرتبطة بالالتهاب وانقباض الأوعية.

على صعيد آخر، قد يسهم التأمل المنتظم في تغيير معدل ضربات القلب وفق دراسة صغيرة. أخيراً، قد يشجّع التأمل الناس على سلوكيات أخرى تُحسّن صحة القلب، مثل تحسين النوم وتخفيف الضغط النفسي، لكن لا تزال هذه المنفعة غير مثبتة. من المعروف أن ارتفاع مستويات الضغط النفسي قد يدفع البعض إلى تطوير عادات غير صحية، مثل الإفراط في تناول المأكولات السريعة وشرب الكحول.

نقطة الانطلاق

قد يكون تنزيل أحد تطبيقات التأمل على الهاتف طريقة مناسبة لتعلّم هذه التقنية. يشعر البعض بأن التأمل يصبح أسهل جماعياً، لكن يبدو هذا الخيار صعباً اليوم بسبب تفشي فيروس "كوفيد - 19".


MISS 3