فادي كرم

رهان على الداخل لا على الخارج

18 شباط 2021

02 : 00

لا عجب أن تدفع السلطة الحاكمة في لبنان بالاجواء الوطنية، الشعبية والاعلامية والسياسية، الى مهانة انتظار الحلول للملفّات الحياتية، من مفاوضات تجرى اقليمياً ودولياً، وكأنّ السلطة تقول للبنانيين بأنّ مفتاح الحلول لمشاكلهم قابعة بأكملها في ضيافات الزيارات الخارجية، حتّى وصل بها التقهقر الى حدّ أن تُصدر رئاسة الجمهورية "القوية" بياناً على أثر زيارة الرئيس المُكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري لرئيس الجمهورية، بعد سلسلة زياراته الى الدول الصديقة للبنان، بأنّ "لا جديد آتٍ من الزائر".

أخبار "الانظومة الحاكمة" وأداؤها السلطوي الفاشل، أمر يُدمي قلوب اللبنانيين، ويؤكّد فقدان حسّ المسؤولية عندها، ويُشير بشكل واضح الى نياتها اللئيمة لإبقاء الشعب اللبناني رهينة لها لإتمام صفقاتها وإنقاذ نفسها، ولتجديد نسلها العقلي العاطل.

بعد الإدانة الرسمية الدولية لِأنظومة السلطة اللبنانية، وشرشحتها في جميع الدوائر الأُمميّة، لم يعُد من أملٍ لها في الخلاص من حبل مشنقة المحاكم الشعبية والدولية، ومن الإدانة العفوية والانسانية التي صدرت بحقّها من عائلة لقمان سليم، معلنةً أن "لا حاجة لمحاكمات لمعرفة الحقيقة وتحديد الجاني، لأنّ المجرم معروف من ادائه".

مهما حاولت الأُنظومة الحاكمة إنقاذ نفسها من درب الجرجرة امام الشعب المنتفض، والرافض لفريقها ولبذرتها الذهنية من بعدها، فلن تُفلح بذلك، لأنّ مسار الشعوب والأنظمة معروف، مهما تأخّرت مراحله، أو مهما تردّدت بعض الشعوب قبل رفع يدها ضدّ قمع السلطات. ومع أنّ طبيعة الشعب اللبناني مجبولة بالمحبّة للسلام، لكنه سيحمل معه، اينما ذهب، حتّى لو الى جهنّم، كرهه لهذه السلطة المُستبدّة، وسيتمسّك بالمطالبة بمحاكمتها، مهما طال الزمن. صحيح أنّ الذلّ والفقر، قد يُلهيان الانسان عن الانتفاضة لحقوقه، وأنّ الظروف المعيشية الصعبة قد تُخضع الناس للقبول بالقليل القليل، آخذين في الاعتبار ما قاله فرانكلين روزفلت "الحرّية الشخصية لا تتأمّن الا بالاستقرار الاجتماعي والاستقلالية، والشعب الجائع والعاطل عن العمل هو السلعة التي تبني الديكتاتورية نفسها عليها"، ولكن الشعب اللبناني الصامد، سيُفاجئ المؤرّخين عندما سيقتصّ من المسؤولين عن معاناته، فهذا الشعب مصنوع من قالبٍ وترابٍ من أرض الحرّية.

إنّ رهان السلطة اللبنانية على عدم الاكتراث العربي، الخليجي خاصةً، والغربي، الاميركي بالأخصّ، بالوضع الداخلي اللبناني، وتركهم لبنان لأن يكون لقمةً "لا تُبلع" للمشروع التوسّعي للجمهورية الاسلامية في ايران، لا يعني ابداً أنّ وطن الارز، وطن الاحرار والمناضلين الاشدّاء، وطن الرسالة والحضارات، اصبح مطوّباً لذلك المشروع الالغائي، العدائي، المُتخلّف. يقول روسو "لا يكون القوي قوياً بما يكفي ليكون هو السيد دائماً، ما لم يحوّل القوة الى حقّ، والطاعة الى واجب"، فالشعب اللبناني لن يكون صديقاً ومطواعاً لمشروعٍ يستقوي عليه بالقوة الظالمة، ولكنّه سيكون الصديق الصدوق لكلّ المبادرات التطويرية، الحضارية، البنّاءة والمُضيئة. لقد أثبت التاريخ أنّ خطر الشعب اللبناني كبير جداً على المشاريع السوداوية والرجعية، ليس فقط نتيجة الفقر الذي تسبّبه له، بل بسبب التضييق على حرّياته، فاللبنانيون والحرّية توأمان لا ينفصلان، وجهتهما دائماً التقدّم والازدهار. وهنا يكمن المُنقذ الذي يبحث عنه هذا المجتمع، وليس في الخارج، فبالرغم من الانشغالات الحياتية اليومية لهذا الشعب المقهور، يبقى توّاقاً لمنقذٍ ما، صاحب رؤية اصلاحية وادارية، وإرث نضالي، وتاريخ من الشفافية، يعيش القضية اللبنانية بكل مراحلها، مساره ثابت، وجرأته يعوّل عليها، غير متقلّب، ويضع قدراته العلمية والعلاقاتية والفكرية والثقافية لصالح انقاذ البلاد، وليس للمصلحة الفئوية السلطوية.

الشعب اللبناني سيصل آجلاً أم عاجلاً الى اللحظة التي تضعه امام خياراتٍ سياسية، فإن تعاطى برشْد ووعي، فالمُنقذ موجود في ما بينه، انه ذلك الفريق الذي جاهر في السنوات الاخيرة بمحاربة التهريب، وطالب باقفال المعابر غير الشرعية، وانهاء الدويلة وفك ارتباطاتها الاقليمية، وعرقل ما امكنه من الفساد المستشري في الوزارات، في وزارة الطاقة والاتصالات، والمالية وغيرها من الصناديق، ومن مسارب المال العام، وهو الفريق الذي قدّم الخطط الاصلاحية عندما كان شريكاً في السلطة التنفيذية، وتقدّمت تكتلاته النيابية باقتراحات القوانين الاصلاحية الجدّية والمدروسة، وما زال، وهو الفريق الحريص دائماً على الدستور والرافض، تحت أي عنوان، للفذلكات ضدّ القوانين والدساتير.

امّا إن اخطأ الشعب مجدّداً بخياراته فسيجد امامه كما في السابق، فريق التعطيل والشلل والانانية، فريق الدجل والفشل، الفريق الذي يفتح الملفّات ويغلقها حسب حساباته السياسية وخدمةً لصفقاته التحاصصية. فحذار من أن يعيد التاريخ ذاته، لانه كما قال الباحث كارل واركس "التاريخ يعيد نفسه مرتين، مرّة في شكل مأساة ومرّة في شكل مهزلة".

الحلّ اذاً بيد الشعب اللبناني، فافرازاته السياسية السابقة قد اوصلته الى الموبقات الحالية التي يُعاني بسببها حالياً، امّا المستقبل فرهن فهمه للامور وادراكه لها، وتمييزه بين المُنقذ الصادق وبين الداعي لجهنّم، الذي قد يتجدّد بأشكالٍ اخرى وأفكارٍ عديدة، والسلام.

MISS 3